نون والقلم

القـــاتـــل الــوقـــــح

لا يبدي توني بلير أي شكل من أشكال الندم على ما فعل بالعراق. مجرد أسف بسيط على أن المعلومات الاستخبارية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق لم تكن دقيقة. كذلك حال جورج بوش الابن، وكلاهما يرددان بأن “العالم أفضل من دون صدام حسين”!! مئات آلاف القتلى، وملايين المهجرين، وموجة عنف دموي اجتاحت المنطقة، بل العالم. هدأت مع ربيع العرب، ثم جددتها إيران بدعم طائفية المالكي ودموية بشار وجنون الحوثي. كل ذلك بسبب حرب بوش وبلير (منحت العراق تاليا لإيران)، والتي لم ينس العقلاء أنها كانت عنوانا لمشروع المحافظين الجديد لإعادة تشكيل المنطقة على مقاس المشروع الصهيوني، وبالطبع بعد فشل مشروع أوسلو في تكريس “الشرق الأوسط الجديد”، كما نظّر له بيريز. بلير يضيف إلى الإجرام قدرا مثيرا من الوقاحة، وهو يتحرك في العالم طولا وعرضا. يبيع ويشتري ويسمسر، وكل ذلك في ظل حماية اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على مفاصل كثيرة في دول كبرى. أينما حلّت مصيبة بهذه الأمة، ستجد لتوني بلير دورا فيها، بما في ذلك الثورة المضادة التي أجهضت ربيع العرب، فضلا عن دوره في الرباعية الدولية الخاصة بفلسطين سابقا، وفي كل ما يتعلق بتغطية الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين. نتحدث عن بلير، بمناسبة ما يعرف بتقرير “تشيلكوت” الذي لم يسجل إدانة صريحة للمجرم، وبالطبع لأن المشاركة في حرب العراق لم تكن خارجة عن سياق السياسة البريطانية التقليدية في التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والتي لم تتغير بعد بلير، وإذا تذكّر البعض رفض البرلمان البريطاني المشاركة في الحرب على نظام بشار، فلأن أمريكا لم تكن تنوي شن الحرب أصلا، وما كان مطلوبا هو نزع السلاح الكيماوي لحساب الكيان الصهيوني. التحقيق من أوله لآخره رغم تفاصيل لا تحصى لم يتمخض عن شيء، وهو لم يتقرر أصلا إلا لأن قرار الحرب كان أكثر قرار واجه رفضا شعبيا في تاريخ بريطانيا كله، والدولة البريطانية العميقة لم تكن بعيدة عن توجه بلير، ولو كانت ترفضه لما كان بوسعه الذهاب إلى الحرب، لكن الجزء المثير في القصة يتمثل في مساهمة بلير في إقناع بوش بالمضي قدما في الحرب، مع أن جورج تينيت، المدير الأسبق للسي آي إيه، هو الذي أخبرنا أن بوش دخل البيت الأبيض وقرار الحرب على العراق “في جيبه”. يتحدث بلير عن صدام كطاغية، لكنه يتجاهل أن في سوريا اليوم طاغية أكبر، وقاتل أكثر بشاعة، لكنه لا يتحرك ضده، بل يتحرك في اتجاه الإبقاء عليه، وراهنا في اتجاه إطالة أمد الحرب من أجل استنزاف الجميع لحساب الكيان الصهيوني، والنتيجة أننا إزاء كائن لا همَّ له إلا مصالحه الشخصية، وقبل ذلك وبعده خدمة مصالح الصهاينة الذين يمنحونه الأدوار والحماية من أية ملاحقة؛ هو الذي يجمع الأموال بنهم غريب، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. لعنة العنف التي أطلقها بلير في العراق ومن العراق تصيب العالم أجمع، وإن كان نصيبنا الأكبر. صحيح أن الكيان الصهيوني يربح من هذه الحرب، لكن ذلك قد يكون مؤقتا أيضا، فما جرى ستكون له تداعيات تصيب ذلك الكيان الهش؛ وإن على المدى المتوسط، ففي هذه المنطقة شعوب تعودت الموت والتضحيات، وهي لن تستكين قبل أن تحصل على حقوقها، ومن ضمنها، بل الأهم بينها؛ حقها في فلسطين.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى