نون والقلم

صناعة داعش … ذكاء خارق

كم هي فاضحة وتفوح منها رائحة الغدر، نتائج القراءة الموضوعية لمجمل الآثار السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية، التي خلفها تنظيم القاعدة، قبل أن يكمل المسيرة من بعده ابنه السفاح تنظيم الخلافة المسخ «داعش»، فنتائج هذه القراءة تكشف بجلاء خدمتهما للمشروع السياسي الإيراني – الأميركي المناهض لأمتنا وإضراره بالإسلام والمسلمين.

ويتكشف هذا الأمر واقعا من أن تنظيم الإجرام «داعش» – وخلافا لما يطرحه في أدبياته – لم يتمدد في أي منطقة تسكنها غالبية شيعية في العراق (وهذا ما لا نتمناه، فالأصل أن دماء الناس وأعراضهم وأموالهم معصومة) بل كان إجرامه دوما في المناطق السنية حصرا، وعلى حساب أهلها، ثم يتنازل عن هذه المناطق يوما بعد آخر لصالح ما يسمى ميليشيا «الحشد الشعبي»، العاملة تحت منظومة النظام الإيراني التي يستخدمها مطية لتحقيق مصلحته في العراق وغيره.

كما يشهد الواقع أن كل منطقة سنية اغتصبها «داعش» سعى من خلال احتلالها إلى تفكيك منظومة المجتمع وعناصر قوته، لتسفر جهوده عن تجمعات سنية مفككة، ومجتمعات مناوئة لها قوية، لتكون ثمرة مشروع «داعش» التخريبي تدمير المناطق السنية بكل ما فيها، وترك مناطق من يزعم زورا أنهم أعداؤه التقليديون متمتعة بعناصر القوة.

ولنا أن نتساءل عن المكاسب التي حققها سنة العراق من مشروع خلافة دولة الإجرام الداعشية سوى أكثر من: 5 ملايين مسلم سني مهجر، مناطق محروقة، جامعات ومدارس ومستشفيات وهيئات دولة ومؤسسات مجتمع مدمرة، أسواق منهوبة، بيوت مفجرة ومسروقة، مساجد مهدمة محروقة، ليتحولوا إلى مجتمع فقير لا يمتلك أهله بيتا يؤويهم، وأبناؤه أصبحوا جهلة بلا تعليم، ومتخلفين بلا تنمية، وأهله مهجرون… بربكم هذه الإنجازات تصب في مصلحة من؟! ومن الذي يقطف ثمارها؟ وأريد لعاقل موضوعي أن يوضح لي ما الفائدة التي جناها السنة الذين تلتصق بهم فرية أجهزة المخابرات وأذنابها وتابعوها من مثقفي السفارات الأجنبية من أن «داعش» ينتمي لهم.

وإمعانا في الحبكة الفنية لهذا المسلسل الدموي المقزز، لضمان حصول «داعش» على التأييد والتجنيد والدعم، كانت الحاجة ماسة إلى مزيد من المجازر التي تقوم بها الميليشيات الطائفية بحق السنة ومناطقهم، كي يتقمص «داعش» دور المنتصر لدماء أهل السنة، فيقوم بالتفجيرات وتوزيع المفخخات في أماكن تجمع الأبرياء والمدنيين من الشيعة العرب الذين يرفضون الانسياق وراء حملات الوهم الفارسية أو الانقياد لترهات سياسة الملالي الفاشية، فيتقاتل أبناء المكون العراقي من جهة وتبرز أصوات عالية تدعو الشيعة العرب للانضواء تحت الراية المذهبية الإيرانية حتى ينالوا الرضوان والحماية من جهة أخرى، ثم يتفرج المستفيد الحقيقي من هذه الحرب الجائرة، قاسم سليماني ومجرموه ودولة الاستبداد والظلم والبغي التي يمثلونها وهم يضحكون.

ثم، لماذا يسعى داعش إلى مقاتلة وتفكيك حتى المؤسسات الجهادية السلفية التي يزعم انتماءه لها، ويخوض حروبا مع المجتمعات السنية؟

وما هدف «داعش» من سحب السلاح من أبناء المجتمع السني العراقي والعشائر والفصائل، وتركهم بلا قوة يدافعون بها عن أنفسهم؟ لتكتمل فصول المأساة بانسحاب تنظيم البغي داعش بعد دخول الميليشيات الطائفية تاركا وراءه مجتمعا أعزل يعاني بطش الحقد الطائفي وإجرام المنسلخين من الإنسانية والمتجردين من أدنى تعاليم الإسلام والرحمة.

داعش والميليشيات الطائفية يتناصفون في ما بينهم إراقة الدم السني، فداعش ينفذ مهمة محاصرة المناطق السنية، واقتحامها، وقتل أهلها وتدميرها، والميليشيات كذلك، وما حصل في منطقة البغدادي وبروانة وغيرهما من المناطق السنية التي حاصرها داعش، ولا يسكنها أحد غير العشائر السنية دليل على ذلك، فالميليشيات تقتل سنة ديالى، وداعش يقتل سنة الأنبار والموصل وهكذا …

ثم يأتي مغفل ليقول إن «داعش» لا يخدم المشروع الثوري الإيراني ونظام الملالي في المنطقة!!

«داعش» استهدف بالقتل خواص ونخب أهل السنة، فدمر المجتمع وتركهم بلا قيادة تجمعهم، واستهدف في المقابل عوام الشيعة فوحدهم تحت إمرة زعامات تحركها القيادة الإيرانية حسب مصلحتها.

ولنا أن نستذكر كيف سلم نوري المالكي محافظة الموصل بكل مقوماتها من أسلحة ومعدات وعتاد وبنوك مليئة بمليارات الدولارات تسليم اليد لـ «داعش» حسب ما أثبته التحقيق العراقي المستقل الذي أثبت هذه الجريمة لتقوية «داعش» ومده بالمال والسلاح والقوة لتدمير الأمة.

وفي هذا السياق يجب ألا تغيب عن أذهاننا قضية هروب معتقلي تنظيم القاعدة من السجون العراقية في أبو غريب والتاجي وصلاح الدين؛ ليكونوا نواة تشكيل تنظيم داعش، ثم لا يحاسب أحد من المسؤولين الأمنيين العراقيين الذين سمحوا بارتكاب هذه الجريمة والتي ثبت لاحقا أنها تمت بأوامر مباشرة من مكتب الديكتاتور الطائفي نوري المالكي!

محصلة القراءة العامة لإجرام داعش (للوضع العراقي تحديدا لضيق مساحة المقال) تؤكد أننا أمام مشروع سياسي إيراني لتصدير أحلام الثورة الخمينية، وضرب المجتمعات العربية المستقرة، وتحويلها إلى كانتونات محطمة، من خلال استخدام وسائل إجرامية، وتنظيمات إرهابية، تدعي أنها تنتمي للأمة المسلمة، لكنها تنحر هذه الأمة بسكاكين الشعارات الخادعة، وتغشي أعين عامة الناس ببريق الانتصارات الزائفة، لتتحول مجتمعاتنا إلى محاضن للحقد الطائفي، لا تخدم في النهاية إلا من يريد الشر بديننا وإنسانيتنا وقيمنا وأمن مجتمعاتنا.

ولا يمكننا في النهاية إلا أن نقر ونعترف بدهاء المخابرات الإيرانية والسورية الخبيثة التي استطاعت أن تحتال على الأمة وتصنع عدوا لها من داخلها ومن أبنائها ليخدم مصلحة حلم الملالي في «فرسنة» أمة الإسلام … ولكن يقيننا أن هذه الأحلام ستتحطم على صخرة الوعي الذي بدأت معالمه تتضح لدى شبابنا ونخبنا التي نراهن على أن السد المنيع أمام كل غزو فكري عقائدي أو سياسي لتذويب هوية الأمة ومسح عقيدتها وتاريخها.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى