من أهم تلك الانتقادات التأخير في إعلان نتائج التحقيقات. وعندما لفت نظر تشيلكوت مراراً إلى الشكوك التي بدأت تحيط بأعمال اللجنة بسبب التأخير كان يشير إلى أن عدد الذين كانوا يتابعون التحقيقات ويقومون بالأعمال الإدارية للجنة كان محدوداً ولا يلبي حاجات التحقيق المتراكمة وتشعبه. وحلاً لهذه المشكلة اقترح الكثيرون على تشيلكوت تعيين المزيد من الموظفين للتعجيل في سير أعمال اللجنة، لكنه رفض هذا الاقتراح بدون تقديم مسوغ.
وبسبب هذا الموقف ذهب بعض الناقدين إلى الاعتقاد بأن البطء في أعمال اللجنة كان متعمداً، وأن الغرض منه كان أن يمر زمن كافٍ على الحرب على العراق بحيث يمل المهتمون بهذا الموضوع ويسدل عليه النسيان حتى إذا صدر التقرير تكون له قيمة تاريخية يتعلم الناس منها «الدروس»، ولكنهم لا يعتبرونها حافزاً إلى اتخاذ موقف من المسؤولين عن الحرب. كذلك ذهب بعض الناقدين إلى أن الإبطاء في سير التحقيق كان من الأمور التي تم الاتفاق عليها مع توني بلير قبل أن يقبل بالتنحي عن رئاسة الحكومة وعن زعامة الحزب.
الانتقاد الثاني ذو الأهمية الذي وجه إلى اللجنة هو طريقة تشكيلها. فمن أصل أربعة أعضاء تضمنت اللجنة عضوين يؤيدان «إسرائيل» هما لورنس فريدمان ومارتن جيلبرت. ومما يثير الحيرة هنا هو أن الذين شكلوا اللجنة لم يكونوا في حاجة إلى ضم فريدمان وجيلبرت إلى اللجنة مع العلم بأن هذا الأمر سوف يثير ملاحظات على تركيب اللجنة. بدلاً من ذلك كان بإمكان المسؤولين عن تشكيل اللجنة، إذا كانوا حريصين على أن تضم مختلف التلاوين الإثنية والدينية أن يضموا مؤرخين بارزين ويهوداً أيضاً، ولكنهم يتمتعون بمصداقية فكرية وأكاديمية عالية ولهم مكانة مرموقة بحيث تضفي على اللجنة المصداقية المطلوبة.
ومن الطبيعي أن تثير هذه الواقعة ملاحظات كثيرة انطلاقاً من اعتقاد بعض الذين أثاروا هذا الأمر أن أكثرية الصهاينة، سواء كانوا من اليهود أو من غير اليهود، كانوا مؤيدين للحرب. وبالتالي فإنه من المتوقع أن يتخذ الاثنان، موقفاً منحازاً إلى جانب الحرب. وإذا كان هذا الأمر منطبقاً إلى حد ما على فريدمان فإنه ينطبق بصورة بديهية على مارتن جيلبرت.
كان جيلبرت من مؤرخي الحركة الصهيونية البارزين في بريطانيا وخارجها. وهو كان من ناشطي هذه الحركة وليس مجرد عضو من أعضائها العاديين. وتحفل مؤلفات جيلبرت بالشواهد الكثيرة على أنه «يصنع» التاريخ ويتلاعب به على نحو يخدم الصهيونية ويسيء إلى مناهضيها. وكمثل على هذا النهج فإن كتابه «تاريخ القرن العشرين: الجزء الثاني: 1933-1951» يتضمن الرواية الصهيونية التقليدية عن علاقة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني بهتلر، ولكنه يغفل إغفالاً كاملاً اتفاقية التسفير بين المنظمات الصهيونية وهتلر والتي طبقت لسنوات وأسفرت عن التعجيل في تهجير اليهود الألمان إلى فلسطين.
الانتقاد الثالث هو أن التقرير على اتساع حجمه الذي يصل إلى ما يزيد على المليونين والنصف من الكلمات، يخلو من «التركيز»، إذ إنه في معرض تحديد المسؤولين عن الأخطاء التي ارتكبت في هذا الفصل الدرامي من تاريخ بريطانيا والعالم، يوجه التقرير اللوم والنقد إلى العديدين كي «تضيع الطاسة» كما يقال بالعامية. ومما يضاعف من حجم هذه الثغرة ومن مفاعيلها أن اللوم يوزع بصورة متساوية على الجميع.
التقرير يضع ما ارتكبه بلير من أخطاء على نفس المستوى من أخطاء جاك سترو، وزير الخارجية في حكومة الحرب. وفي الحقيقة فإن هذا التوصيف لا يطابق حقيقة العلاقات القائمة بين رئيس الحكومة وأعضائها في الحكومات البريطانية، حيث يتمتع الرئيس بسلطات واسعة تسمح له بالتخلص من الوزراء إذا قرر ذلك. ولئن كانت هذه القاعدة معمولاً بها في سائر الحكومات فإن حكومة بلير لم تكن استثناء. وكمثال على هذا النهج فإن توني بلير اضطر روبن كوك وزير الخارجية البريطانية على مغادرة منصبه لأسباب كان من بينها تعاطف الأخير النسبي مع الفلسطينيين. إذن، لماذا المساواة بين «المخطئين» في الحرب على العراق؟ السبب الأهم في نظر بعض ناقدي التقرير هو الرغبة في التخفيف من مسؤولية بلير في الحرب.
إن هذه الانتقادات قد لا تكون في محلها، وقد تتمكن اللجنة من الرد على هذه الملاحظات النقدية ردوداً شافية. ولكن المهم هو ألا يتحول تقرير تشيلكوت إلى مجرد سجل للأخطاء وإلى وثيقة تاريخية فحسب. إن الطريق إلى ذلك يمر عبر تحديد المسؤولية بدقة وعبر محاسبة المسؤولين الرئيسيين عن ذلك الفصل الدامي من تاريخ المنطقة الذي يدفع ثمنه العراقيون والعرب والأمم الأخرى في أوروبا وغيرها من القارات.