دنيا ودين

ما بعد رمضان

كان شهر رمضان ميدانا للتنافس، اجتهد فيه أقوام، جعلوا رضا الله فوق أهوائهم، وطاعته فوق رغباتهم، أذعنوا لربهم في كل صغير وكبير، صاموا شهرهم، فعظم في ربهم رجاؤهم.
وقصر آخرون فأضاعوا أوقاتهم، وخسروا أعمالهم، ما حجبهم إلا الإهمال والكسل، والتسويف وطول الأمل، حتى إذا ضاق بهم الوقت، وخافوا المقت، ندموا على التفريط حين لا ينفع الندم، وطلبوا الاستدراك في وقت العدم: وهيهات هيهات.
والأدهى من ذلك والأمر أن يوفق أناس لعمل الطاعات، والتزود من الخيرات، حتى إذا ما انتهى الموسم، نقضوا ما أبرموا، وعلى أعقابهم نكصوا فكانوا ﴿كالتي نقضت غزلها من بعد قوة﴾، استبدلوا بالطاعات المعاصي، استبدلوا بالمساجد الملاعب، استبدلوا بالقرآن الغناء، استبدلوا بالسواك السيجارة.
وهذا وللأسف حال أكثر الناس اليوم، تجده يعمل ويعمل ويعمل في رمضان حتى إذا بلغ من الخير مبلغًا، وبدأ يشعر بطعم العبادة ولذة الخشوع، هدم كل ذلك بعد رمضان، فإذا جاء رمضان آخر شرع يبني من جديد فلا يكاد يبلغ منزله الأول حتى ينكص على عقبيه ﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ﴾ ولو أنهم أحبو الطاعة لمل تخلوا عنها طرفة عين.
أين أثر التقوى التي ألفها في هذا الشهر الكريم؟ أين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المتهجدين في أسحاره؟ أين رقة المتعبدين في صيامهم؟ أين خشوع المتهجدين في قيامهم؟ أين أعين جادت فيه بدمعها حين تذكرت قبيح صنعها؟
لقد تولت كما تولى غيرها، وانقضت بما فيها.
اعلموا أن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنه سبحانه لا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، وإن الله تعالى إذا أراد بعبده الخير فتح له بين يدي موته باب عمل صالح يهديه إليه، وييسره عليه، ويحببه إليه، ثم يتوفاه عليه، وكل امرئ يبعث على ما مات عليه، فالزموا ما هداكم الله له من العمل الصالح، واحذروا الرجوع إلى المنكرات والقبائح، فليس للمؤمن منتهى من العبادة دون الموت، قال ربكم جل وعلا: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾.
إن كان الصوم المفروض قد انقضى فإن من نافلة الصوم صيام ست من شوال، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر» ولئن كانت التراويح قد انقضى وقتها فإن قيام الليل ما يزال مشروعًا مرغبًا فيه، ففي صحيح البخاري من حديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل».
لا تكونوا كمن كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل، في الصحيحين من حديث … صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل»، عباد الله دونكم الرواتب فالزموها، والوتر يا عباد الرحمن فلا تضيعوه وكتاب الله فلا تهجروه.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى