دنيا ودين

من سنن العشر الأواخر.. الاعتكاف

ما أجمل أن يعتزل العبد الدنيا ويبتعد عن ملاهي الحياة ليتفرغ لعبادة ومناجاة ربه خاصة في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم؟ ولا يكون ذلك إلا بالاعتكاف الذي هو سنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان يلتزمه رسول الله حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى.
تقول السيدة عائشة رضيَ الله عنها: “أنَّ النَّبي – صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده”.
وروى الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضيَ الله عنه كيف كان النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يحث صحابته الكرام على الاعتكاف في رمضان فيقول: “إنَّ رسولَ الله – صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم – كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتَّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين – وهي اللَّيلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه – قال: “من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر” فمطرت السَّماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد فبصرت عيناي رسولَ الله – صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم – على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين.
ولم يكن الاعتكاف حكرًا على الرجال، بل كانت النساء كذلك يعتكفن في العشر الأواخر من رمضان، وروت أم المؤمنين عن عائشة رضيَ الله عنها فقالتْ: “كان النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنتُ أضرب له خباءً فيُصَلِّي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشةَ أن تضرب خباء فأذنتْ لها فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر فلمَّا أصبح النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى الأخبية فقال: ما هذا؟ فأُخبر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “آلبر تُردن بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرًا من شوال”.
والحكمة من الإعتكاف أنه عُزلة مؤقتة عن أمور الحياة، وشواغل الدنيا، وإقبال بالكلية على الله تعالى، وانقطاع عن الاشتغال بالخلق، خصوصًا في ختام شهر رمضان، فهو متمم لفوائده ومقاصده، متدارك لما فات الصائم من جمعية القلب، وهدوء النفس والانقطاع إلى الله تعالى، ولهذا قال بعضهم: الاعتكاف هو: قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق.
عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: “إنَّ مثل المعتكف مثل المُحْرم ألقى نفسه بين يدَي الرحمن فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني”.
ولذا فإن الاعتكاف يكون فيه التفرغ للعبادة من صلاة وذكر وتلاوة وغير ذلك، وهذا لا يتم إلا بالعزلة عن الناس، وهذه العزلة لا تتحقق إلا بمكان خاص يخلو فيه المعتكف الذي يستحب له أن يكثر من نوافل العبادات، ويشغل نفسة بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء وغيرها من العبادات التي تقرب العبد من ربه عز وجل.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى