نون والقلم

البريطانيون يريدون إسقاط النظام!

وحتى في بريطانيا الشعب يريد اسقاط النظام، مع أن النظام هناك نظام! والمهم أن الانكليز فعلوها وضربوا بالاتحاد الأوروبي عرض «المانش»، وخرجوا من الاتحاد وتركوا الباب مفتوحاً لمن يريد الخروج من الدول الاوروبية الاخرى… وعموما الانكليز ادرى بشعابهم.

أما لماذا فضل الانكليز الخروج، فهذا سؤال لم يعد مهماً الإجابة عنه، فقد قرروا الخروج وقضي الأمر الذي كنتم فيه تستفتيان. ولكن الأكيد أنهم وعلى مستوى الفرد البريطاني لم يلمسوا أي فائدة من الاتحاد، بل بالعكس بدا لهم أن كل مشاكلهم جاءت من تحت رأسه، وخذها من أداء الاتحاد الضعيف ومشاكله الاقتصادية، إلى مشكلة دخول كل من هب ودب إلى الاتحاد، وصولا إلى مشاكل الهجرات غير الشرعية الهائلة، والتي شاركت الأوروبيين في رزقهم.

اما عواقب الانفصال فلا يعلمها إلا الله، ولا يستطيع حتى أعتى الاقتصاديين التنبؤ بها ولو كانوا يستطيعون ذلك لما اشتغلوا مستشارين عند الأغنياء! والسبب يعود إلى تعقد المنظومة الاقتصادية وتشابكها بين الدول الأوروبية والتي احتاجت إلى عقود طويلة حتى تتبلور وتستقر، إضافة إلى تعقد علم الاقتصاد ذاته وتداخله مع علوم أو عوامل كثيرة، كالاجتماع والنفس والجغرافيا والتاريخ.

وبسبب الغموض في توقع نتائج هذا الخروج، فإن ردود الفعل الأولية، هزات اقتصادية عنيفة في العالم كله، ومشكلة الهزات الاقتصادية أنك لا تعرف مداها ولا تدري أين منتهاها، وهل ستستمر أم ستتوقف؟ وهل الافضل تركها تستقر ذاتيا أو تتدخل؟ لأن التدخل في بعض الأحيان قد يتسبب في كارثة. كما حدث لدول شرق اسيا في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، عندما حاولت انقاذ عملاتها المتدهورة برفع سعر الفائدة فانهار كل شيء. ومع ذلك، فإن هناك نتائج بدهية لا تحتاج إلى توقع، مثل عودة الروح للاقتصاديات المنافسة كالاقتصاد الأميركي، والياباني، وزيادة قوة روسيا التفاوضية والاقتصادية في أوروبا، والأكيد أن هذا الخروج ضرب الاتحاد الأوروبي في مقتل مع أنه لا ينقصه المشاكل. وهناك نتائج ستكون على المستوى الطويل، مثل حدوث ركود اقتصادي في بريطانيا ودول الاتحاد بالذات، وهذا سيؤثر بطبيعة الحال على أسعار النفط، كما أن الجنيه الإسترليني سيهبط هبوطا اضطراريا ولفترة طويلة، وبالطبع سيلحق به اليورو.وأتمنى أن ينحصر التأثير في ما سبق، لأن تمدد تأثير هذا الخروج قد يعني وبالاً على العالم وكساداً عظيماً، وهذا ما جعل الدول الأوروبية وصندوق النقد الدول والبنك الدول، يصرحون بعد الاستفتاء مباشرة، بأنهم على استعداد لدعم الجنيه الإسترليني، وهو ما حدث بالفعل.

ولكن الأهم من هذا وذاك، هو تأثير هذه الهبة البريطانية على الفكر الاقتصادي وفلسفته، وإعادة دراسة مفهوم العولمة الذي تقاتل من أجله الشركات العملاقة، وبالمرة دراسة جدوى اتفاقيات التجارة الحرة، والعودة مثنى وثلاث ورباع لدراسة النظريات الاقتصادية الرأسمالية الحديثة والقديمة والتي اضاعت هيبة الدولة وتركت الأسواق حرة تتصرف بالشعوب على مزاجها، وربما كذلك إعادة إحياء البذور الاشتراكية في النظرية الاقتصادية.

كل هذه المفاهيم والنظريات تحتاج إلى دراسة جديدة وإعادة تقييم وربما تأهيل، لأن ما حدث في بريطانيا هو كسر لكل تلك القواعد التي افهموا العالم بأنها اكسير الحياة وطوق النجاة للعالم الحر. حتى جاء الشعب البريطاني وكسر خرافة العولمة، وقرر التحرر من براثن فكر الشركات العملاقة، وبالطبع لم يكن أول الشعوب التي انتفضت ضد العولمة، ولكن الفرق أن بريطانيا بلد ديموقراطي عريق أتاح لشعبه أن يقول رأيه بصراحة وبكل وضوح فقالها وكانت المفاجئة «لا» ومليون «لا» للاتحاد الأوروبي وللعولمة من خلفه.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى