محافظ البنك المركزي كان حذر سابقاً من أن ارتفاع النفقات الحكومية، قد يؤدي إلى عجز كبير في موازنات الدولة، وقد يدفعها ذلك إلى العجز عن تسديد ديونها، وكان المحافظ صرح سابقاً بأن تونس ستواجه في السنتين القادمتين وضعيات صعبة لحلول موعد استخلاص عدد من القروض التي حصلت عليها الدولة في سنوات ما بعد الثورة. وهي مبالغ ضخمة سيكون لها أثر واضح في التوازنات المالية للبلاد. وهذا الرأي عبر عنه أيضاً رئيس الجمهورية، في حديثه عن تشكيل الحكومة الجديدة، عندما أشار إلى أن السفينة في اتجاهها للغرق، وهو ما يستوجب حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد. الخبراء لم يتأخروا في رفع درجات الإنذار القصوى، اعتماداً على البيانات التي تصدرها الدوائر الرسمية، وكذلك المؤسسات المالية الدولية.الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان، قال إن تونس تسير نحو الإفلاس، وشدد على أن الوضعية الكارثية التي أصبح عليها الدينار التونسي منذ بداية شهر يونيو/حزيران، تؤكد المخاوف من الإفلاس. فانهيار الدينار سيكون له ثمن باهظ على مستوى تكلفة الديون الخارجية، وعلى مستوى التضخم. وتتأكد المخاوف أكثر عندما تشير بعض التقارير إلى أن هناك سياسة رسمية غير معلنة، لتخفيض قيمة العملة التونسية وتحريرها بالكامل، الأمر الذي سيجعلها في مواجهة مباشرة مع العملات الرئيسية من دون سياسة حمائية من قبل الدولة، الأمر الذي كان سائداً منذ عقود. ويتفق الخبراء على أن سنتي 2017، و2018، ستكونان صعبتين بالنظر إلى الالتزامات الكبرى للدولة التونسية، مع حلول آجال استخلاص عدد من القروض، ذات التكلفة المرتفعة، التي يبلغ حجمها الإجمالي نحو 8 مليار دينار. وبالنظر أيضاً إلى حالة الانكماش الاقتصادي، التي تتمثل في نسبة نمو هي دون 1 في امئة، وتعود بالأساس إلى تراجع الإنتاجية في بعض القطاعات التصديرية مثل الفوسفات، وتواصل تجميد القطاع السياحي منذ الهجمات الإرهابية في مارس/آذار 2015.
لكن في مقابل هذه الآراء، نجد آراء أخرى، تذهب إلى انتقاد سياسة التخويف والتهويل التي تمارسها جهات حكومية وغير حكومية، من أجل التأثير في الرأي العام ودفعه للقبول بالشروط القاسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة، والمتمثلة أساساً في فرض سياسة تقشفية هدفها الضغط على الحكومة من أجل خفض المنافع الاجتماعية. ويستند أصحاب هذا الرأي، إلى جملة من العناصر يمكن إيجازها في ما يلي:
المؤسسات المالية العالمية، مازالت لديها ثقة بالاقتصاد التونسي، وهي تعترف بأن الحكومة التونسية ماضية في الإصلاحات وفي الاستجابة لشروطها ما يؤهلها للحصول على مساعدات مالية وقروض، للخروج من أزمتها.
وجود سند سياسي دولي قوي للحكومة التونسية، يتم التعبير عنه في كل الدوائر السياسية العالمية، وهذا الدعم كفيل بفتح أبواب المساعدات المالية التي تمنع الانهيار والإفلاس. فتونس ليست اليونان، وليست الأرجنتين.
يتفق أصحاب هذا الرأي على أن هناك مشكلة توازنات في المالية العمومية، ولكن هذه المشكلة ليست بالخطورة التي تجعل البلاد في حالة إفلاس.
الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس، وعدم بلوغ المساعدات المالية الدولية السقف الذي يمكن تونس من تجاوز أزمتها، هي التي تضع البلاد أمام أزمة حقيقية نتج عنها سقوط متتال للحكومات، وعدم استقرار سياسي، رغم الإشادة بالتجربة الديمقراطية التونسية. فلجوء رئيس الدولة إلى إعلان مسار سياسي جديد لتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون بديلة للحكومة المنبثقة عن انتخابات 2014، هو دليل واضح على أن الأزمة قد بلغت مرحلة خطرة، وأن الإفلاس قد لا يكون مجرد فزاعة، وإن لم يكن أيضاً قدراً محتوماً. وحكومة الوحدة المنتظرة، سيكون عليها العمل من أجل تفادي السقوط في هاوية الإفلاس. وتمرّ طريق الإنقاذ من الاستجابة إلى مطالب الإصلاح الاقتصادي التي يفرضها كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
وقد حرص رئيس الجمهورية على مشاركة اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال واتحاد الفلاحين، ضمن جلسات الحوار لرسم خريطة طريق للحكومة الجديدة، هو تأكيد على أن الملفات التي ستقدم لرئيس الحكومة الجديد ستكون ثقيلة، وحارقة. وهو ما تطلب حداً أدنى من التوافق الوطني، وإلا فإن مصيرها سيكون مشابهاً لمصير الحكومات التي سبقتها. الرسالة التي أصر الباجي قائد السبسي على توجيهها للتونسيين بطريقة ضمنية، تمثلت في ما يلي: إما حكومة وحدة تنقذ البلاد أو الإفلاس، وسقوط التجربة التونسية في دوامة لا قعر لها. لكن الخطر مازال قائماً حتى في ظل وجود حكومة وحدة. ويتمثل الخطر في ثقل الديون الخارجية، وغياب المساعدات الدولية، وخطر رفض النقابات العمالية لمسارات التقشف.