نون والقلم

لماذا تنتشر السطحية في مجتمعاتنا العربية ؟!

• ما الذي يحدث ؟! مراهِقة لا يعرفها أحد تجمع آلاف المعجبين في سوق تجاري لمشاهدتها والتصوير معها ؛ بينما تعاني محاضرات أدباء وعلماء كبار من قلة الحضور!.. قنوات فضائية شهيرة ومذيعون مخضرمون يتجاهلون رموزاً ثقافية واجتماعية بارزة؛ ويخصصون وقت الذروة في رمضان للقاءات ركيكة مع ضيوف سطحيين ! . مثقف حقيقي يكتب مئات التغريدات المثمرة فلا يلتفت لها أحد ، بينما يكتب نجم رياضي تغريدة يقول فيها :»ياهو حر» فتأتيه ملايين الإعجابات ويتناقلها الناس كما يتناقلون العدوى ! . إنها الثقافة الجماهيرية التي صنعتها الرأسمالية المتوحشة لتسيطر بها على جيب المتلقي ، من خلال التلاعب بالغرائز وتسويق الشهوات ، فكان أن قلبت هذه الثقافة (اللذيذة والهشة ) الطاولة على الثقافة العليا (ثقيلة الدم) ،لتسيطر على العالم كله بعد أن أصبحت كالوحش الذي انفلت من عقاله !.
• تُعرّف الثقافة الجماهيرية بأنها مجموع الأعمال الفنية السطحية ، ومواد التسلية الاستهلاكية، التي تصنعها المؤسسات الإعلامية الخاصة وتصنع نجومها على القنوات الفضائية وقنوات التواصل الاجتماعي ، بهدف التفاعل المادي مع المتلقي، دون أدنى اعتبار لمضمون هذه المواد المعرفي والأخلاقي!. ولأن الهدف مادي بحت -كما قلنا- نجدها تقفز على فكر المتلقي لتصل إلى غرائزه مباشرة ، حين تقدم له عالمًا لا متناهيًا من الألعاب والمسابقات والمتع التي تستنزف أمواله ، وآفاقًا لا نهاية لها من السطحية الساذجة بحجة الهرب من مشاكل الحياة والتوتر اليومي!.وتكمن خطورة هذه الثقافة أنها تبدو وكأنها لا تفرض نفسها على المتلقي، لكن الواقع يقول إن آلياتها التسويقية المثيرة تخلق لدى المشاهد إدماناً مقصوداً ،يدخله في دوامة لا فكاك منها ، من أجل ضمان استمرار عملية الإنتاج والبيع ودوران حركة رأس المال !.
• شبابنا ليسوا هم الضحايا الوحيدين ،فالثقافة الجماهيرية باتت هي الثقافة الطاغية والمهيمنة في معظم مجتمعات العالم ،خاصة بعد أن انتقلت دفة توجيه الثقافة من أيدي المثقفين والحكومات إلى أيدي رجال الأعمال، الذين صنعوا نجومهم الجماهيريين بالمقاس ،فشخصيات مثل عادل إمام وأحلام وهيفاء وهبي أصبحوا اليوم يشكلون المقابل الثقافي لطه حسين والعقاد وحمد الجاسر ، ولاعجب ، فهؤلاء -شئنا أم أبينا- باتوا هم صناع الرأي والذوق العام الفعليين !.
• إن الاضطرابات النفسية والأخلاقية ، والفقر المعرفي المدقع ،وشيوع السطحية تمثل القليل من الثمن الباهظ الذي يدفعه الإنسان اليوم مقابل المتع البخسة التي تحاصره بقوة ،فهو يتعرض يومياً لانتهاك مباشر من قبل بعض وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي التي تقدم له الثقافة كسلعة لا تلبي رغباته وشهواته فحسب، بل تصنعها وتروّج لها أيضًا .

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى