قدمت هيئة قضايا الدولة بمصر ، طعنًا قضائيًا، أمس الخميس، أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، وكيلا عن كل من رئيس الجمهورية ورئيسى مجلس الوزراء والنواب، ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية بصفتهم القانونية، لإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية الموقعة فى أبريل ٢٠١٦ والمتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير.
كما طالبت الهيئة فى الطعن المسجل برقم ٧٤٢٣ لسنة ٦٢ قضائية، والمختصم كلا من المحامين على أيوب وخالد علي، وعددًا من الخصوم المنضمين لهم والبالغ عددهم ١٨٢ ما بين محامين حقوقيين ونشطاء سياسيين وشخصيات عامة، بعدم اختصاص القضاء ولائيا بنظر الطعون واحتياطيا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
وحددت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا جلسة الأحد المقل لنظر أولى جلسات الطعن.
ذكرت هيئة قضايا الدولة فى أسباب الطعن أن هناك خطأ فى تطبيق القانون فيما يتعلق بنفى صفة الخصومة فى الدعويين عن رئيس النواب بصفته.
حيث تنص المادة «١٥١» من الدستور المصرى الحالى على: يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب.
وجاء فى الأسباب أنه حيث إن المشرع الدستورى وبموجب صريح النص الدستورى سالف الذكر قد أوكل إلى مجلس النواب وحده ودون غيره من سلطات الدولة اختصاص مناقشة الاتفاقيات المعاهدات الدولية التى تبرمها الدولة، ومن ثم إبداء الموافقة عليها أو رفضها حسبما يتراءى لأعضاء مجلس النواب وهو اختصاص مانع وحصرى وقاصر على مجلس النواب، وعلى الرغم من صراحة النص الدستورى فى هذا الصدد إلا أن الحكم المطعون فيه قد فاجأ الجميع مقررا ضمن أسبابه بأن السيد رئيس مجلس النواب بصفته لا شأن له ولا صفة فى الدعويين الصادر فيهما ذلك الحكم.
وأضافت أنه على الرغم من العوار الصارخ والظاهر فى نفس الحكم صفة الخصومة عن رئيس مجلس النواب بصفته فى الدعويين فإن ذلك العوار قد شاب الحكم أيضا فى عدم بيانه للأساس القانونى لنفى تلك الصفة، إذ اكتفى الحكم بالقول بأن رئيس المجلس بصفته لا صفة له فى الدعويين، ومن ثم يتعين عدم قبول الدعويين فى مواجهته، وليس فى هذا التقرير من الحكم إلا تحقيقا لفكرته المضطربة، وما تقتضيه من الاستئثار بالاختصاص، وسلبه من صاحبه الأصيل القاضى الطبيعى الذى أوسده الدستور اختصاص الرقابة على المعاهدات الدولية التى تبرمها الحكومة تماشيا وما أكدت عليه المحكمة الإدارية العليا فى العديد من أحكامها من وجوب توجيه الدعوى إلى الجهة صاحبة الصفة والمتصلة اتصالا وثيقا بموضوعها.
وأوضحت هيئة قضايا الدولة حقائق حول ماهية النزاع وجوانبه وبيانا وافيا بكافة القواعد التى تحكمه فى إطار التزامها بأحكام الدستور والقانون، وفى ذلك المقام قدمت الهيئة مذكرة بالدفاع بجلسة ٢٩/٥/٢٠١٦ أمام هيئة مفوضى الدولة، كما قدمت فى أثناء فترة الحجز للتقرير ٢/٦/٢٠١٦ مذكرة أخرى وبجلسة ١٤/٦/٢٠١٦ مرافعة ومذكرة رابعة أثناء حجز الدعوى للحكم بتاريخ ١٥/٦/٢٠١٦، بيد أن الحكم المطعون فيه قد أعرض عن بيان ما تضمنته تلك المذكرات إيرادا أو ردا، وإنما أورد بأسبابه ما لا يصح القول به من أن الهيئة اعتصمت الصمت، وتمترست خلف الدفع الذى أبدته لمنع المحكمة من سماع الدعوى، وما استطردت إليه أسباب الحكم من تقرير بأن ذلك لا يليق بجهة الإدارة، لأنها لا تقوم على شأن شخصى، ويتعين أن يكون رائدها الصالح العام.
وليس على هذا النحو تهدر المحكمة عمل هيئة قضائية جبلت على رعاية وصون الصالح العام، ليس على هذا النحو تهدر المحكمة احترام هيئة قضايا الدولة أحكامها والنزول على حجيتها، وهى المقررة فى قضائها السابق أن اتفاقيات ترسيم الحدود هى من أعمال السيادة التى لا تدخل فى ولايتها.
ليس على هذا النحو تعيب المحكمة التزام هيئة قضايا الدولة بالأحكام المنشورة للمحكمة الدستورية العليا، والمؤكدة أن محل الدعوى من أعمال السيادة الخارجة عن اختصاص محاكم مجلس الدولة.
وليس على هذا النحو أيضا تعيب المحكمة أداء هيئة قضايا الدولة التى لا تنوب عن الدولة فى أعمال السيادة، وتقوم لها النيابة القانونية عن البرلمان، باعتباره سلطة مستقلة من سلطات الدولة، عقد لها الدستور الاختصاص بنظر محل هذه الدعوى حال كان من المحكمة أن خالفت القانون بقضاء فى الأسباب دون المنطوق بعدم قبول الدعوى بالنسبة لمجلس النواب.. والذى يدفعنا إلى التقرير بذلك أن المحكمة وقد طاب لها المضى فى مخالفة القانون أوردت بأسباب حكمها تفسيرا للفقرة الأخيرة من المادة ١٥١ من الدستور، جعلت بموجبه العمل المعيب على ضوء ذلك الحكم عملا ماديا، وفاتها فى ذلك أن قضاء مجلس الدولة عرف تمييزا واضحا فى خصوص ما يصدر من جهة الإدارة بين ما يعد منها قرارا إداريا، وبين ما يكون منها عملا ماديا ومن ولاية اختصاصه لتشمل النوع الأول دون النوع الثانى.
مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله
أولا: قضى الحكم محل الطعن برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموما ولائيا بنظر الدعوى، فذلك مردود عليه بالآتى:
حيث تنص المادة ١١ من قانون مجلس الدولة رقم ٧٤ لسنة ١٩٧٢، على أنه لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، كما تنص المادة ١٧ من قانون السلطة القضائية على أنه «ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فى أعمال السيادة».
وباستقرار هذين النصين يتضح أن المشرع أخرج الأعمال التى تتصل بسيادة الدولة سواء الداخلية أو الخارجية من ولاية المحاكم عموما، سواء محاكم مجلس الدولة أو محاكم جهة القضاء العادى، وهو ما يقطع بأنه لا يجوز أن تنظر أى محكمة دعوى تتعلق بأعمال السيادة، وذلك نظرا لتعلق هذه الأعمال بسلطة الحكم، وسياسة الدولة العليا، فهذه الأعمال تصدر من الدولة بصفتها سلطة حكم وليس بصفتها سلطة إدارة.
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا مبدأ عدم اختصاص القضاء عموما ببحث مشروعية أعمال السيادة، والمقرر قانونا أن حكم المحكمة الدستورية هو حكم عينى، تنسحب حجيته إلى كافة مؤسسات الدولة، اعتبارا من تاريخ نشره، بحيث يجوز تأويله أو التعقيب عليه أو نقضه عملا بنص المادة ٤٨ من قانون المحكمة الدستورية.
حيث قضت المحكمة الدستورية العليا برفض الطعن بعدم دستورية المادة ١٧ من قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢، والمتعلقة بعدم اختصاص المحاكم بأن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فى أعمال السيادة، وقد أوردت فى حيثيات حكمها بما يلى:
ومن حيث إن المادة ١٧ من قانون السلطة القضائية تحول بنصها دون النظر قضائيا فى أعمال السيادة، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة هذا الحظر الدستوري مردود بأن أعمال السلطة التنفيذية التي تعتبر بطبيعتها -وبالنظر إلى خصائصها- مستعصية على موازين التقدير القضائى التى يقتضيها الفصل فى صحتها أو بطلانها، ينبغى ألا تباشر السلطة القضائية رقابتها عليها، لا لأنها فوق الدستور أو القانون بما يخول دون خضوع الجهة التى أصدرتها لكل أشكال مسئوليتها عنها، وإنما لأن ضوابط ومعايير الفصل فى مشروعيتها لا تتهيأ للسلطة القضائية بكل أفرعها، وفيما وراء دائرة هذه الأعمال التى تستقل هذه السلطة بتحديد ما يندرج تحتها، فإن رقابتها التى تدخل فى عموم ولايتها لا يجوز إجهاضها.
واستندت هيئة قضايا الدولة إلى أن النزاع بين الحكومة ومحررى دعوى رفض تسليم الجزيرتين يندرج ضمن أعمال السيادة ويخرج عن اختصاص القضاء.
وقالت: إنه من حيث إن الثابت وعلى نحو ما سلف بيانه فى مقام الدفع بعدم الاختصاص، أن النزاع المائل هو عمل يندرج فى نطاق أعمال السيادة، طبقا لما سلف بيانه، وبهذه المثابة يخرج هذا النزاع عن دائرة الاختصاص الولائى المنعقد لهذه المحكمة، لكون المنازعة بشأنه لا تعد من قبيل المنازعات الإدارية، ولعدم مساس سلطة من السلطات باختصاص تقرر دستوريا للسلطة التشريعية ممثلة فى مجلس النواب، باعتباره المختص دستوريا برقابة السلطة التنفيذية فيما يصدر عنها من أعمال أو تصرفات لا سيما أن الأعمال محل الطعن لا تعدو كونها إجراءات تمهيدية لا ترقى إلى مصاف القرارات الإدارية، لا سيما أن الاتفاقية محل الطعن لا تدخل حيز التنفيذ، ولا يتم التصديق عليها من رئيس الجمهورية إلا بعد عرضها على مجلس النواب، بما يجعل الطعن الماثل منصبا على إجراءات تمهيدية ينتفى عنها سمات القرار الإدارى، وعليه فإن المنازعة محل الطعن لا تتمخص بحال عن اختصام قرار إدارى بالمعنى المقصود بقانون مجلس الدولة حتى يكون محلا للطعن عليه بالإلغاء.
وأضافت أنه فى ضوء ما تقدم جميعه يتأكد على وجه اليقين أن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى متفقا وصحيح حكم القانون، وما استقر عليه أحكام القضاء على التفصيل السابق متعينا إلغاء الحكم المطعون.