يحفل شهر رمضان بكبريات الوقائع الحاسمة في التاريخ الإسلامي، منها معركة «بدر الكبرى» (17 رمضان 2 للهجرة)، التي كانت فرقانا بين الحق والباطل، وهي الموقعة التي جعلت للمسلمين كيانا مهابا، وجانبا مصونا، فقويت دولة المسلمين بهذا النصر الذي حققوه بقوة الإيمان، والتخطيط، وتظل «بدر الكبرى» معلما عريقا، ودستورا منيرا للدعاة والمصلحين.
خرجت «بدر» بعدة فوائد، أبرزها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص قبيل القتال على وعظ المسلمين وتذكيرهم بالصبر والثبات والقتال في سبيل الله، وظهر فيها أقوى وأجَل ملامح الإيثار، وصور إيمانية للصحابة تجلت في هذه المعركة.
واحتوت «بدر» على عدة دروس وعظات جليلة ومعجزات باهرة لتأييد الله للمؤمنين ونصرتهم، كما لخصها علماء الأمة قديما وحديثا، منها: التشاور بين الرسول صلى الله وسلم مع أصحابه في الأمور التي لا نص قرآنيا فيها.
أما قصة بداية المعركة؛ عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن قافلة لقريش محملة بالبضائع بقيادة أبي سفيان قد خرجت من الشام في طريقها إلى مكة، فأرسل اثنين من أصحابه لمراقبة عير قريش، ودعا الناس للخروج إليها، وجعل الخروج اختياريا، فخرج معه 314 مسلما، ولم يكن معهم سوى 70 جملا وفرسين، فكان كل ثلاثة من المسلمين يتناوبون الركوب على جمل.
وكان أبو سفيان يتحسس الأخبار، ويسأل من يلقاه عن المسلمين خوفا على القافلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إليهم، فغير أبو سفيان طريقه وفر هاربا بقافلته، وأرسل إلى قريش يستنجد بهم؛ ليحموه من المسلمين فخرجوا بأسلحتهم وعدتهم ليحموا أموالهم.
وفي الوقت نفسه كان أبو سفيان قد نجا بالقافلة، وأرسل إلى قريش يخبرهم بذلك، فرجع بعضهم، وكاد القوم يعودون كلهم؛ لأنهم ما خرجوا إلا لحماية قافلتهم، ولكنّ أبا جهل دفعه الكبر والطغيان إلى التصميم على الحرب، وعزم على أن يقيم هو والمشركون ثلاثة أيام عند بئر بدر بعد أن يهزموا المسلمين، وهكذا أراد الله تعالى أن تنجو القافلة، وأن تقع الحرب بين المسلمين والمشركين.
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم كبار المهاجرين والأنصار فأيدوا قتال المشركين، وبدأ الفريقان يستعدان للمعركة، وبدأت المعركة فقتل فيها 70 من المشركين وأسر مثلهم، واستشهد 14 من المسلمين (6 من المهاجرين و8 من الأنصار)، وعاد المسلمون إلى المدينة وقد نصرهم الله على عدوهم في أولى المعارك التي خاضوها.
من جانب آخر، أكد المفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن «معركة بدر الكبرى كانت يوما مشهودا ويوما عظيما، قاتلت الملائكة فيه مع المسلمين، وانتصر المسلمون، وهي أول معركة فاصلة، وأول معركة قاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وظهر فيها الحق وعلا، وانخذل فيها الباطل».
من الناحية العسكرية والإستراتيجية، يوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية الدكتور أنور ماجد عشقي أن الانتصار في هذه المعركة كان بفكر إستراتيجي من قائد يدلل على حكمته في وضع خطة حربية وعناصر لإنجاحها ووضع البدائل في حالة ضعف أحد عناصرها.
46 2 دقائق