عند وقوفي أمام منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما بعد حرقه بأيام واستماعي لمعاناة القرية ومحاولاتهم الحثيثة للتغلب على هذه المأساة، لم يكن بوسعي سوى ان اتذكر الفتى محمد أبو خضير والذي قتل قبل نحو عام تقريباً بظروف مشابهة. هؤلاء الأولاد، والثلاث فتيه الإسرائيليين الذين اختطفوا وقتلوا العام الماضي أيضاً يمثلون ولو بشكل بسيط الخسائر البشرية المأساوية الناتجة عن العنف السائد في الضفة الغربية.
إن مثل هذه الأحداث تدفعنا عادةً، أنا وزملائي لزيارة مجتمعات ومناطق مختلفة لدعمهم في حزنهم رغم اختلاف التفاصيل والشخوص إلا أن حياة الأفراد البريئة التي عادةً ما تدفع الثمن.
إن الحادثة البشعة الأخيرة التي أودت بحياة الطفل الرضيع علي الدوابشة ووالده ما هي إلا مثال على احداث مؤسفة أخرى يواجهها الفلسطينيون على أيدي المستوطنين المتطرفين. لقد زرت بوقت سابق عددا كبيرا من المناطق في الضفة الغربية التي تعرضت لتهديدات هذا الارهاب. تجمعات ومناطق شهدت إحراقا للبيوت والممتلكات، وقلعا لأشجار زيتون، وأطفال تعرضوا للترهيب. فبحسب مكتب الامم المتحدة للتنسيق للشؤون الانسانية ” UNOCHA ” فقد سُجل منذ بداية العام 2015، 120 هجوما مختلفا من قبل مستوطنين على فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وفعلاً فهذه الارقام مقلقة جداً وشديدة الخطورة.
وكان رئيس الوزراء البريطاني، دفيد كامرون قد قال في وقت سابق: “ليس بالضرورة أن تدعم العنف لتكون داعما لأفكار تشجع التعصب والتي من شأنها دعم بيئة تسهم بنشر التطرف. أفكار عدائية لقيم الحريات الأساسية مثل، الديمقراطية، الحرية، المساواة الجنسية، وافكار تروج للعنصرية، الطائفية، والفصل، هي ذاتها الأفكار التي تفضل هوية جهة معينة على الآخرين وتنقص من حريات البقية”. وفعلاً، هذه هي الأيدلوجية المتطرفة لهؤلاء المستوطنين، الذين لا يتقبلون فكرة حق الفلسطينيين بالحرية والعيش بسلام.
ولهذا فإن المملكة المتحدة ملتزمة اتجاه محاربة هذا الفكر التطرفي كأي نوع آخر من التطرف سواء كان الإسلامي المتطرف، أو النازية الجديدة.
ولكن كيف لنا أن نحارب هذا التطرف؟
أولاً: لنسمي الأشياء بمسمياتها، فحرق الطفل علي دوابشة عمل إرهابي صادم. ولهذا السبب سارع العالم لاستنكار هذا الحدث المروع، وهذا ما قامت به أيضاً الحكومة البريطانية، والسلطة الفلسطينية والإسرائيلية على رأسهم الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فمثل هذه الجرائم تأتي نتيجة الفكر المتطرف الهادف للتهديد والترهيب.
ثانياً: عبر الدفع لمساءلة مرتكبي مثل هذه الجرائم. فبحسب ما افادته مؤسسة “يش دين” في شهر أيار المنصرم “1.9% فقط من الشكاوى المقدمة من قبل فلسطينيين ضد مستوطنين ينتج عنها تحقيق جدي لمعرفة الأشخاص خلف الاعتداء وادانتهم ومحاكمتهم”. ولكن هذه الحقائق يجب أن تتغير أن أردنا حقاً كسر دائرة العنف هذه، ويجب تقديم أي جهة كانت للعدالة، سواء كانت وراء اعتداءات على فلسطينيين أو إسرائيليين.
ثالثاً: عبر توضيح موقفنا اتجاه المستوطنات ومعارضتنا لوجودها. فموقف الحكومة البريطانية واضح جداً في هذا الموضوع: المستوطنات غير شرعية بحسب القانون الدولي وتعد عقبة حقيقية أمام السلام وانشاء الدولة الفلسطينية التي يجب أن تعيش بسلام جنباً الى جنب مع إسرائيل.
وأخيراً، تعمل الحكومة البريطانية على دعم عدد من المؤسسات الأهلية التي بدورها تسهم أيضاً بدعم التجمعات والأهالي لحماية أراضيهم من التوسع الاستيطاني. حيث تعمل هذه المؤسسات على دعم الأهالي قانونياً ومراقبة التوسع الاستيطاني ورصد الانتهاكات. هذا ونقوم أيضاً بدعم المناطق الأكثر عرضة لعنف المستوطنين عبر برنامج المشاريع الثنائية والتي تسعى لتطوير الاستدامة المجتمعية ومواجهة التأثيرات الآنية للنزاع. كما نقوم أيضاً بدعم قيام مؤسسات اقتصادية، سياسية، وأمنية فلسطينية ستسهم ببناء الدولة وإيجاد الاستقرار.
أنا حقاً لا ارغب برؤية أو سماع قصص مشابهة لقصة عائلة الدوابشة مرة أخرى. وفقط عبر تقديم الجُناة للعدالة، أياً كانوا، وعبر ترويج الساسة للهدوء وسيادة القانون، وعبر تحدينا الدائم لمفاهيم التعصب والتطرف، عندها فقط يمكن للجميع بمختلف خلفياتهم النوم بسلام في بيوتهم مدركين أن اطفالهم آمنين في أسرّتهم. وعندها فقط لن نسمع بقصص وأحداث مشابهة لحادثة عائلة الدوابشة.
نقلا عن صحيفة القدس