نون والقلم

سؤال إلى العراقيين

احدى كبائرنا السياسية، اننا ننشغل في كل مرحلة، بذات المرحلة، فتسرقنا بكل مصاعبها ودمويتها، عن رؤية اعمق لعقود كاملة، فقراءة السلسلة الزمنية، بكل حلقاتها، علم وفن يدركه المستبصرون فقط، ممن يمكنهم ايضا، توقع المستقبل، على اساس ما مضى. اذ نتأمل قصة العراق أنموذجا، نعرف اننا نتشاغل اليوم، بالصراع السني – الشيعي، او بما يجري في الفلوجه، او الموصل لاحقا، وغير ذلك من حكايات تتدفق يوميا، من العراق. اذا تحررنا من سجن المرحلة، وابحرنا بعيدا، سنكتشف ببساطة، ان هناك كارثة كبرى في العراق، عمرها اكثر من ستين عاما، كارثة متصلة، ومتواصلة، تحت مسميات مختلفة، وشعارات متنوعة، وبراءات  او اتهامات يتم منحها لمراحل ضد مراحل اخرى. اكثر من ستين عاما، والعراق يغرق بالدم، لم تبق نخلة، الا وسقيت من دم العراقيين، انقلابات عسكرية، تصفيات جسدية، حرب مع ايران اكلت الاخضر واليابس، وقتلت الملايين في البلدين، وشردت وجرحت الملايين، واهدرت الثروات، مالا، وتنمية، وانسانا، ثم اجتياح للكويت، ودم في العراق والكويت، وتدمير لكل بنى العراق، بعد الحرب بفعل الحصار، الذي ادى الى مقتل الملايين، وتدمير كل بنية العراق، ثم احتلاله عام 2003، ومانراه منذ ذلك اليوم، من قتل وانقسام وتصفيات واحقاد ولجوء وهجرات، وضياع لحياة الانسان العراقي، وخراب اشمل واكبر وأعم. لان العرب يتعلقون بالشعارات، ننصرف فورا، لتبرئة هذه المرحلة او تلك، لكن العقل الغائب، لا يريد الاقرار ان كل المراحل تتضامن معا، لتؤدي الى ذات النتيجة، اي خراب العراق، وتدمير حياة الانسان فيه، فالمحاكمة لهذه العقود، يجب ان تتخلص من فكرة المراحل، وتصنيفها، مادامت كلها تؤدي الى ذات النتيجة، وكأن المشكلة هنا بنيوية بما تعنيه الكلمة. لم يسأل احد عن ذات العراقي، فهو حطب في موقد المراحل،الكل يتورط في لعبة الاتهامات وتوزيع المسؤوليات، والانهماك بتحليل كل مرحلة، لكننا بكل صراحة، نكتشف ان القراءة الكلية لهذه السنين، معا، سلبية وسيئة للغاية، اهلكت العراقيين، ودمرت مستقبلهم، وشردت ابناءهم، وحرقت ثرواتهم، وانبتت الاحقاد بينهم؟!. ما هو الفرق بين انقلاب بعثي تصفوي في الخمسينات، او تورط في حروب مع ايران او الكويت، او اجتياح الاميركان للعراق، فالفرق ظاهرا يتعلق بمعطيات كل حالة، لكن المشترك، هو ان كل هذه المراحل أدت ذات الغاية المقصودة، تدمير العراق، وتشظية بنيته وارهاقه، وقد وجدت هذه العناوين من اهل العراق، ومن اهل المنطقة، من يشجعها، ويصفق لها، تحت مسميات مختلفة؟!. كيف يمكن للعراق المرهق بعد ستين عاما من الدم المنساب جراء الانقلابات والتصفيات الداخلية، والحروب الخارجية، وحروب المذاهب والقبائل والاعراق ان ينهض مجددا، فسؤال الترميم واعادة الاعمار الوجداني والنفسي، سؤال غائب، برغم انه السؤال الاهم، الذي تكون اجابته مفتاح الحل لكل هذه المعضلات؟!. لماذا العراق وحده، يواصل نزف الدم، منذ اكثر من ستة عقود، ومايزال ينزف، سؤال نفرده بين يدي العارفين، لنسمع الجواب، دون ان نتورط بذهنية التقسيط في الاجابة، بحيث نحاكم مرحلة، دون مرحلة، اذ اننا بحاجة الى اجابة اعمق بكثير، من مبدأ تقسيط الزمن، وتحليله، على اساس التقسيط، الذي يستهدف عمليا ومسبقا، تبرئة مرحلة، واتهام مرحلة، وفي هكذا نمطية، تورط بإدامة الظلام؟! –

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى