الخوارج في هذا الزمان ليسوا حكرا على بلدان العرب والمسلمين، بل هم في كل مكان في أمريكا وأوروبا والشرق الأقصى. وهم يتحينون الفرص، مثلهم مثل خوارجنا، لينقضوا على خصومهم بالسلاح الأبيض والثقيل ليردوهم قتلى؛ لأنهم لا يستطيعون مواجهتهم بالنقاش والأفكار. بريطانيا، المحسوبة بقوة على معسكر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، فجعت يوم الخميس الماضي بقتل النائبة (جو كوكس) المؤيدة لبقاء بريطانيا بعضوية الاتحاد الأوروبي، والمعروفة بدفاعها عن المسلمين والتفريق بين الإسلام والإرهاب وحث أعضاء البرلمان البريطاني على تأييد استقبال اللاجئين السوريين.
أما الخارجي ا(تومي مير) الذي قتلها بسكين شفرتها بطول قدم، لكي لا يترك فرصة ولو ضئيلة لبقائها حية، فهو على النقيض من فكرها وأفكارها وكل الأفكار التقدمية والإنسانية. تومي رافض لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وكاره للمسلمين واللاجئين وكل جنس غير جنسه وكل تابع لغير ملته. شيء آخر نشره موقع (العربية) عن هذا الخارجي وهو أنه مشترك منذ 10 سنوات بموقع S.A Patriot الذي ينشر مجلة، تسمي نفسها White Rhino Club أو «نادي وحيد القرن الأبيض». وهذه المجلة مناصرة لنظام «الأبارتايد» العنصري البائد في جنوب أفريقيا ومعادية لتعدد الثقافات والأعراق في المجتمع.
يعني (ما فيش حد أحسن من حد)، فكما أن لدينا داعش والدواعش، فإن لديهم هم أيضا وحيد القرن الأبيض والقرنيين الذين كلما دخل بلادهم لاجئ تحسسوا أسلحتهم. وكلما خالفهم من مواطنيهم إنسان عاقل أعملوا السكاكين في رقبته وأردوه قتيلا في وضح النهار، في حكم فردي تعسفي بعيدا عن أي أصول أو قوانين أو محاكمات. وبالتالي يكون من الطبيعي مطالبة الغرب، الذي يتعامل مع إرهاب المحسوبين على الإسلام وكأنه لا إرهاب غيره، أن يعي، كما نحاول أن نعي، المتغير الفكري والإنساني في مجتمعاته وفي صميم تنظيماته المتطرفة وخلاياه النائمة التي قررت أن تحتكم إلى السلاح وتقتل نائبة لمجرد أن رأيها مع البقاء في الاتحاد الأوروبي وأنها ترى أن لكل إنسان، أيا كان منبته ولونه، حقا في الحياة.
الدول كلها، بلا استثناء، تتعرض لحملات الإرهاب ومخاطر الإرهابيين من داخلها من أبنائها ومن خارجها من المتبرعين بالأحكام الفردية العنيفة على الأشخاص والأفكار والجماعات المخالفة لمللهم وأفكارهم. وهذا العالم الذي يغض، في جزء منه، النظر عن الإرهاب المستشري في جزئه الآخر يغذي الأفكار الإرهابية الكامنة في عقر داره، حين يصر على أن ما يحدث بعيدا عنه لا يعنيه وأنه، على المستوى الداخلي، محصن بالمكاسب الديمقراطية والتقدمية. وهو يخطئ أكثر كلما تمادى في الإصرار على أن دوافع الإرهاب غير قابلة للاستنبات والاستشراء في محيطه، والأدلة على ذلك، في السنوات الثلاث الأخيرة، ماثلة للعيان والمهم هو أن تجد من يحللها ويعيها.