ثمة من يحاول ان يختزل صورة رمضان في بعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض الصائمين ، وثمة من يريد ان ينتزع من هذا الشهر الفضيل حالة هنا او موقفا هناك ليعممها على الصائمين كلهم ، دون ان تأخذه حقيقة التغيير الذي يحدثه الصيام للفرد والمجتمع ، ودون ان يدرك ان طبقات المتدينين ودرجاتهم تتفاوت ، وان ما عجزت عن فعله الشهور الماضية على صعيد العلاقة مع الله تعالى لدى المسلم لا يمكن لشهر واحد ان ينجزها ، حتى لو كان هذا الشهر عنوانه الصيام . حين نتحدث عن الصيام ، فلسفته وحكمته وما يفعله في النفوس والمجتمعات ، نفترض ان الذي نتحدث عنه جزء يكمل مسيرة الدين الذي استقر ، وان الذين نتحدث اليهم مسلمون استكملوا شروط ايمانهم ، وبالتالي نفترض ما يحدث من انسجام وما تفضي اليه الحالة من نتائج ، لكن الحقيقة ان مجتمعاتنا ما تزال تحاول ترسيم علاقتها مع الاسلام ، وان جمهور المتدينين يسعون لتثبيت اقدامهم على ارض الايمان ، وان المجتمعات الاسلامية لا تخلو من منحرفين عن جادة الدين او بعيدين عن فهمه على حقيقته ، الامر الذي ينعكس على العبادات ، فهما وتطبيقا والتزاما ، وعلى الصيام كظاهرة عامة ، او كبوابة لتغيير المفاهيم والسلوكيات وغيرها ، وعلى الحياة بما تظهره من مشاهد هنا او صور هناك. لا نقلل من خطورة ما يحدث في رمضان من سلوكيات خاطئة او تجاوزات او فهومات غير صحيحة لمقاصد الصيام وحكمته وما فرض من اجله ، ولكننا ندعو للنظر الى الجانب الايجابي حيث اقبال المؤمنين على الصلاة في المساجد ، وعلى فعل الخير وتوزيع الصدقات ، وحيث يتنافس الصغار على عدد ما يصومونه من ساعات في النهار ، وحيث الحالة الايمانية التي توّحد الناس وتجمعهم وتنظمهم ، وحيث الشعور المشترك بين معظم الصائمين على ضرورة تفقد المحتاجين والاقارب.. وغير ذلك من الصور الايجابية التي تحتفظ بها ذاكرة رمضان لكل عام. يمكن للصيام ان يغير او يجدد حياتنا ، ويمكن للذين ينتقدون كثيرا مما الفناه من مشاهد لا تعكس روحية رمضان ان يساهموا في التغيير والتجديد.. ولكن بشرط ان نبدأ من رمضان ونستمر على امتداد السنة.. وان نستعيد الاسلام بكل تفاصيله وبكل عباداته واخلاقياته لنصل الى رمضان ولدينا ارضية ايمانية تساعدنا على ابراز افضل ما فينا.. وافضل ما يبعثه الصوم داخل نفوسنا والا فإن التعويل على الصيام وحده من اجل التغيير لا يكفي.. فالدين كل لا يتجزأ.. واعادته الى حياتنا يتطلب ما هو ابعد من الالتزام بالصوم والعبادة. –