تحدثت في اليومين الماضيين عن مسلسل «خيانة وطن» وركزت على الناحية المعنوية وليس الفنية، أخذته نموذجاً لما يجب أن تكون عليه مسلسلات رمضان، فنحن اليوم لسنا أولئك الذين كانوا قبل 2011، لا نستطيع أن نستوعب الهروب إلى الضحك ووطننا الكبير يتمزق، ولا نتقبل الذهاب إلى «سمرقند» لأن الحاضر ملئ بالألغام، ولن تستهوينا قصة عشق بدوية وسط تطاحن القبائل قبل مئة عام، فقد تطاحنت قبائل هذا الزمان، ومعها العشائر والطوائف، كل يقطع أوصال الآخر في كثير من بلاد العرب، هناك حيث سقطت الدول أو ضعفت، هناك حيث سادت النعرات لتحل محل الأوطان.
نحن أبناء اليوم ولسنا أبناء الماضي، ننتمي إلى الواقع وليس إلى الخيال، تغوص أرجلنا في وحل الظواهر المجتمعية الناخرة في جسد الأمة، ومن حولنا وحوش ضارية تنهش لحوم البشر لتحقق أطماعاً وغايات، السياسة قضية مجتمع، والاقتصاد قضية مجتمع، والتفرقة بين الناس قضية مجتمع، والوطنية قضية مجتمع، والمتتبع لمسلسل «خيانة وطن» لو سأل الناس، كل هؤلاء الناس الذين ارتبطوا بموعد عرضه، ولا تنتهي استفساراتهم بعد كل حلقة من حلقاته، أقول لكم، لو سأل لوجد النتيجة عندهم، عند المواطنين العاديين، وليس عند النخبة، لقالوا له إنهم عايشوا حقيقة أحداث قضية وطنية شغلت المجتمع كله خلال الأعوام الثلاثة الماضية وعرفوا ما كان خافياً عليهم.
وهناك مسلسل آخر لم يخجل من طرح ظاهرة مجتمعية أمام الرأي العام، وهي ظاهرة موجودة في دول الخليج كلها، وليس الكويت فقط، وأقصد هنا «ساق البامبو»، وكما نجحت الرواية الأصلية وحازت الجوائز، نجح هذا العمل الفني الرمضاني، فقط لأنه يتحدث عن اليوم وليس عن «غابر الزمان»، وينبه إلى خلل يجب أن يعالج قبل أن يستفحل، ويترك المجتمع يناقش ويجادل، وهذا ما يحدث فعلاً بعد أسبوع من عرضه، ومعنى ذلك أنه استطاع أن يوصل الرسالة.
الفن رسالة وليس سخرية.