نون والقلم

الرهانات «الإسرائيلية» لإسقاط المبادرة الفرنسية

الأمل بالسلام الذي خرج من العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي (3/6/2016) بعد ختام اللقاء الذي ضم 29 وزيراً للخارجية كان متواضعاً، ومن هنا جاء الشعور الفلسطيني بالقلق من المسارات المحتملة التي يمكن أن تأخذها المبادرة الفرنسية، ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي لاتهام من وصفهم ب «لاعبين كبار» من دون أن يسميهم، عقب صدور البيان الختامي لهذا اللقاء ب «تخفيض مستوى التوقعات»، ومن ثم الخروج باستنتاج مهم مفاده «يبدو أننا نحن (الفلسطينيين) ندفع ثمن حضور اللاعبين الكبار، بحيث عملوا على تخفيض منسوب البيان، وما تضمنه، بحيث غاب عنه الكثير من النقاط الأساسية التي كنا نفترض أن تكون موجودة».

الحقيقة أكبر وأسوأ من ذلك، فما حدث وما يحدث من مخططات «إسرائيلية» بالتعاون مع أطراف دولية لتفريغ المبادرة الفرنسية من مضمونها والانتكاس بها إلى مستوى الحد الأدنى الذي يريده «الإسرائيليون» للحصول على المزيد من كسب الوقت للتمكن من فرض السلام الذي يريدونه، أي السلام الذي يحقق للكيان الصهيوني ضمانتين أساسيتين: ضمانة التوسع على حساب الأراضي العربية، وليس فقط الفلسطينية، وضمان الأمن والسيطرة، أي امتلاك القدرات الأمنية المتفوقة القادرة على فرض السيطرة والهيمنة على الجوار العربي. والرهان الكبير الذي يوظفه «الإسرائيليون» له طرفان أولهما الطرف الأمريكي والدولي للنزول بالمبادرة الفرنسية إلى الحد الأدنى وهو المفاوضات الثنائية «الإسرائيلية» – الفلسطينية غير المشروطة، بمعنى غير المحكومة بقرارات سابقة صدرت بخصوص القضية الفلسطينية وبالذات ما يتعلق بالدولة الفلسطينية وحدودها وعاصمتها، وما يتعلق بحق العودة، وثانيهما الطرف العربي الذي يأمل «الإسرائيليون» أن يحصلوا منه على موافقة بدعم خيار المفاوضات الثنائية وتخفيف نصوص المبادرة العربية للسلام بإعفاء «إسرائيل» من أية التزامات لا تقبل بها بخصوص إطار حل الصراع، أي القبول بالمبادرة دون مضمونها، والدخول كأطراف داعمة لمفاوضات ثنائية غير مشروطة أو دون شروط مسبقة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين.
فقد رفض «الإسرائيليون» رفضاً مهيناً وعلى لسان رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو المبادرة الفرنسية التي تستهدف، على نحو ما أوضح مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي أن «هدفها هو إعادة تأكيد التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين». فعقب اللقاء المشترك بين نتنياهو وفالس في «تل أبيب» (23/5/2016) أعلن نتنياهو رفضه للاقتراح الفرنسي بعقد مؤتمر دولي لإعادة إطلاق جهود السلام المتعثرة مع الفلسطينيين وأكد أن «المفاوضات الثنائية» هي «الطريق الوحيد للمضي قدماً في مفاوضات السلام»، وفي إشارة استرضاء للفرنسيين اقترح أن تكون باريس مكان عقد هذه المفاوضات الثنائية مع إمكانية أن تحمل أيضاً اسم «المبادرة الفرنسية».
وعقب الجلسة التشاورية للحكومة «الإسرائيلية» قبيل انطلاق لقاء وزراء الخارجية في باريس تم الأخذ بتكتيك الالتفاف على المبادرة الفرنسية من خلال الترويج عبر قنوات دبلوماسية، وقنوات أخرى، أنها تفضل الدفع بالمبادرة الإقليمية التي طرحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تبني المبادرة الفرنسية، وعلى خط مواز، تقرر أيضاً في تلك الجلسة التشاورية، التي شارك فيها مندوبون من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي وهيئة الإعلام الوطني ممارسة ضغوط على عدة دول مشاركة في ذلك اللقاء لتفادي وضع جدول زمني لمفاوضات مستقبلية بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية، ومن أجل عدم القيام بخطوات مثل اتخاذ قرار في مجلس الأمن الدولي بشأن تحريك التسوية، وكانت رسالة نتنياهو التي حرص على تمريرها عبر الصحافة «الإسرائيلية» هي «لا للمبادرة الفرنسية، ونعم للمبادرة المصرية»، وتولى دوري جولد مدير عام وزارة الخارجية مهمة الترويج للموقف «الإسرائيلي».
فقد عقد جولد مؤتمراً صحفياً شبه خلاله المبادرة الفرنسية ب «اتفاقية سايكس- بيكو» ورأى أن هذه المبادرة ستفشل كما فشلت تلك المعاهدة، واعتبر أن «الطريق الوحيد للسلام هو من خلال مفاوضات مباشرة وثنائية إسرائيلية- فلسطينية، ومن دون شروط مسبقة، وبدعم دول عربية لا من خلال مؤتمرات باريس».

هذا هو الرهان «الإسرائيلي» الأهم والذي يجب أن يحظى بالأولوية على المفاوضات مع الفلسطينيين، فهم في الكيان يراهنون على علاقات «إسرائيلية»- عربية دافئة يكون في مقدورها أن تحقق السلام والاستقرار الإقليمي، ويمكن من خلالها إيجاد حلول ل «المشكلة الفلسطينية» سواء بتفاهمات عربية – «إسرائيلية» أو أن يتولى العرب حل هذه المشكلة فيما بينهم دون تحميل «إسرائيل» أية أعباء.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى