نون والقلم

هل المرجع الصرخي يُكفِر الصحابة ؟!

باتت مسألة التكفير بين الفرق الإسلامية مسألة خطيرة جداً وأخذت مأخذها من العالم الإسلامي, حيث كل فرقة أو طائفة تُكفر ما يقابلها من طائفة أو فرقة, على الرغم من أن كلمة التوحيد وشهادة أن ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” تجمعهم, وقد إعتمدت تلك الطوائف على تكفير بعضها على ما موجود من روايات وأحاديث في التراث السني والشيعي, فالسنة  يُكفرون الشيعة لوجود روايات في كتب الشيعة تقول ببطلان التشيع, وكذا الحال بالنسبة للشيعة, حيث يُكفرون السنة لوجود روايات في كتب أهل السنة تقول بإنحراف بعض الصحابة وأهل السنة, وبين هذا وذاك صار التكفير منهجاً اعتمد عليه المتشددين أو بمعنى دقيق منتحلي التشيع ومنتحلي التسنن من المستأكلين والمنتفعين والطائفيين, والنتيجة كما نشاهدها اليوم حيث القتل والتهجير والترويع في ما بين المسلمين وبشكل خدم ويخدم مصالح ومنافع هؤلاء الطائفيين والمنتفعين والمستأكلين من منتحلي التسنن ومنتحلي التشيع ومن يقف خلفهم من دول وأجندات, فصار الإسلام والمسلمين طرائق قددا للأسف الشديد.

هذا الأمر دفع بأصحاب منهج الإعتدال والوسطية الذين يقتدون ويسيرون بسيرة وهدي الإسلام المحمدي الأصيل, دعاة الوحدة ونبذ الطائفية أن يقفوا موقفاً حازماً من مسألة التكفير ومحاولة لم شمل الأمة الإسلامية وذلك بتصحيح التراث الإسلامي ” السني والشيعي ” من خلال التدقيق والتحليل الموضوعي لكل الروايات الموجودة في كتب أهل السنة وكتب الشيعة, وقد إنبرى المرجع العراقي الصرخي لهذا الأمر في محاضرات ” التحليل الموضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي ” وتطرق لهذه المسألة الخطيرة خصوصاً في المحاضرة التي حملت تسلسل 16 , حيث تناول في تلك المحاضرة الروايات الشيعية التي يعتمد عليها أهل السنة في تكفير الشيعة, وكذلك تناول الروايات السنية التي يعتمد عليها الشيعة في تكفير السنة والصحابة .

وهذه الروايات هي : عن الإمام جعفر الصادق ” عليه السلام ” يقول ( ما أنزل الله آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع ) كما في رجال الكشي, وأيضا عنه ” عليه السلام ” ( إن ممن ينتحل هذا الأمر – أي التشيع – ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه ) وعن الإمام الرضا “عليه السلام” يقول ( إن من ينتحل مودتنا أهل البيت من هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال ) هذا ما يخص الروايات الشيعية التي يعتمد عليها السنة في تكفير الشيعة, أما الروايات السنية التي يعتمد عليها الشيعة في تكفير الصحابة وأهل السنة هي : رواية البخاري في باب الرقاق/ في الحوض بتسلسل 6585 قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (( يَرِدُ عَلَيَّ يَومَ القِيَامَةِ رَهطٌ مِن أَصحَابِي، فَيُجلونَ عَن الحَوضِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصحَابِي! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلمَ لَكَ بِمَا أَحدَثُوا بَعدَكَ، إِنَّهُمُ ارتَدُّوا عَلَى أَدبَارِهِمُ القَهقَرَى) ورواية ذكرها البخاري بتسلسل 6587 ((حدثنا إبراهيم الحزامي .. عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينما أنا قائم إذا زمرة حتى عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، فقلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى)).

وقد بين المرجع العراقي الصرخي إن كلا الإستدلالين باطل, فمع وجود مثل هذه الروايات في كتب السنة وكتب الشيعية فلا يصح ولا يجوز التكفير, لأن كلا الطرفين لديه روايات تدل على تكفير أحدهما للآخر ومن أمهات كتبه, حيث إن الشيعة سيقولون إن الصحابة إرتدوا على أعقابهم من بعد النبي ودخلوا النار بسبب إرتدادهم ولن يبقى منهم إلا مثل همل النعم, والسنة يقولون الشيعة كذابون والشيطان يحتاج إلى كذبهم, وكل فريق يستدل بروايات خصمه, لكن ما الذي حصل ؟ الذي حصل هو إن التكفيريين والمستأكلين والطائفيين والمنتفعين من السنة والشيعة, قاموا باقتطاع واجتزاء ما ينفعهم من هذه المحاضرة التي مدتها الزمنية أكثر من ساعتين, واقتطعوا الجزء الذي يتناول فيه المرجع العراقي الصرخي الروايات التي فيها تكفير للصحابة وأهل السنة فقط, وأخذوا يروجون له على إن ” الصرخي ” يُكفر الصحابة, وهذا لأن مبدأ ومنهج المرجع العراقي الصرخي الوحدوي الوسطي المعتدل لا ينفعهم وفيه وأد لطائفيتهم وتكفيرهم فأخذوا يضربون هذا المبدأ الإسلامي من خلال الترويج لهذا الجزء من المحاضرة.

في حين إن المرجع العراقي الصرخي عندما تطرق لهذه المسألة وفق محاضرة أخذت أكثر من ساعتين من الوقت كان يناقش أراء السنة والشيعة بخصوص هذه الروايات مع التعليق عليها وكان رأيه الخاص على هذه الروايات وتفسير الآية القرآنية المباركة إنه ((لا يكفر الصحابة حتى وإن كان قد صدرت فعلاً هكذا أحاديث من النبي)) حيث إنه كان في تلك المحاضرة ناقلاً لهذه الروايات ومستعرضاً لها وليس متبنياً لها, وكما يقال ناقل الكفر ليس بكافر, وهو تطرق لهذه الروايات لإبطال منهج التكفير عند الطرفين, لأنها موجودة – روايات تكفير الشيعة وروايات تكفير الصحابة والسنة- وهذا الأمر يستلزم بطلان روايات الطرفين ولا يصح تكفير طرف لآخر.

وهذا ما قد بينه المرجع العراقي الصرخي في المحاضرة الأولى من بحث ( السيستاني ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد ) ضمن سلسة محاضرات ” تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي ” وبين كيف إن المدلسين من السنة والشيعة اعتمدوا على إجتزاء وإقتطاع جزء من البحث من أجل أغراض شخصية من أجل التسقيط والتشويه والتشويش ومن أجل النفخ والتأجيج الطائفي … حيث قال …

{{… المسألة الثانية, تحدثنا كثيرا عن التدليس والمدلسين وأساليبه وخطورته وتأثير ذلك في وقوع الفتن, والأحداث الدموية بين المسلمين على طول التاريخ الإسلامي, وأشرنا أيضاً إلى إمكان أن يقتطعوا أي مقطع صوتي مما يقال أو مما أقوله أو أكتبه فيخرجوه عن سياقه ويدلسوا فيه ليتماشى مع مرادهم ومرامهم وأغراضهم وأهوائهم …(…)…

…. فالأفاكون المدلسون ومنهم النواصب والخوارج يستدلون على كذب الشيعة وبطلان كتبهم الحديثية والرجالية وبطلان مذهبهم وإستحقاقهم السب الفاحش والإفك والإفتراء والبهتان بكل الأساليب القذرة المتسافلة وذلك – ماهو التبرير ؟ – وذلك لأن – يقولون – لأن أئمتهم ” عليهم السلام – وصفوهم بالكذابين والمنافقين والأكذب من إبليس وإبليس يحتاج لكذبهم وإن أئمتهم ” عليهم السلام ” نفوا أن يكون لهم شيعة أصلاً , ومما استدلوا به – هذا أنا الآن أتيت بخلاصة ما أتيت به هنا وسأرجع إن شاء الله مرة أخرى للحديث والتفصيل في هذه المسألة- ومما استدلوا به ما ورد عن الإمام جعفر الصادق ” عليه السلام ” يقول ( ما أنزل الله آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع ) كما في رجال الكشي, وأيضا عنه ” عليه السلام ” ( إن ممن ينتحل هذا الأمر – أي التشيع – ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه ) وعن الإمام الرضا “عليه السلام” يقول (إن من ينتحل مودتنا أهل البيت من هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال )…..

وقلنا إن هذا الإستدلال باطل جزماً لعدة أمور ذكرناها ومنها إن هذا الإستدلال يستلزم الطعن بالصحابة لوجود روايات صحيحة كثيرة تشير إلى إرتداد الصحابة على أدبارهم إلا مثل همل النعم وكما جاء في حديث الرسول الأمين ” صلى الله عليه وآله وسلم ” إذن ماذا أفعل هنا ؟ أنا فقط أتيت بحديث عن النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” كمورد وكشاهد على مبدأ ومنهج التكفير أريد أن أقول كما لا يصح التكفير هنا مع وجود هذه الروايات لايصح التكفير هناك مع وجود تلك الروايات, هذا هو الكلام أما من يريد أن يدلس ويقتطع الكلام هذا شأنه, أقول وإن هذا الإستدلال باطل جزماً لتكفير الشيعة – لاحظ لست أنا من يطعن وإنما أقول الإستدلال يستلزم الطعن بالصحابة لوجود روايات صحيحة كثيرة تشير لإرتداد الصحابة على أدبارهم إلا مثل همل النعم, وكما جاء في حديث الرسول الأمين ” صلى الله عليه وآله وسلم ” ( إنهم إرتدوا بعدك على أدبارهم القهقري, فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)….

هل أنا قلت هذا الكلام ؟ أم هذا حديث في مسلم والبخاري, حديث صحيح عن النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” وأنا لم أتي به هنا للطعن وإنما أتيت به للإحتجاج على الطاعنين والطعانين والتكفيريين, أقول مع وجود هذا الحديث الذي يتحدث عن الإرتداد والذي يتحدث على إنه لا يبقى إلا مثل همل النعم, أقول مع هذا لا يصح التكفير ولا يجوز التكفير, من الواضح إن هذا الإستدلال الذي يستلزم الطعن بالصحابة باطل كبطلان ذلك الإستدلال لتعارضه مع الواقع – لاحظ مع وجود هذه الروايات الصحيحة أقول يتعارض مع الواقع – وتعارضه مع النصوص الشريعة التي تشير إلى منزلة وكرامة وتشريف الكثير من الصحابة ” رضي الله عنهم ” والكثير من أتباع أهل البيت ” عليهم السلام ” قال القوي العزيز: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) إذن الآية المباركة تتحدث عن أصحاب النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” تتحدث عن إيمانهم عن صلاتهم عن سجودهم عن قتالهم عن جهادهم وختمت الآيات وختم الكلام الإلهي بأن الذين آمنوا- لاحظ كل الإيمان كل مواصفات الإيمان التي ذكرت لابد أن تكون مقرونة بالثبات وبالعمل الصالح, لذلك قال الله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) كما في سورة الفتح…

ولقد بايع الصحابة وصدقوا فرضي الله عنهم وأنزل سكينته عليهم وأثابهم فتحـًا قريبـًا، قال العلي العظيم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ولسنا في مقام التفصيل في الكلام وعن الجمع بين الموارد الشرعية لكن أشير لبعض الأمور منها إن ألفا وأربع مئة صحابي هم الذين بايعوا تحت الشجرة والخليفة الأول والخليفة الثاني ” أبو بكر وعمر ” رغماً على أنوف الجميع ورغما على أنوف الحاقدين كانوا ممن بايع تحت الشجرة والخليفة الثالث عثمان لم يبايع واقعاً وفعلاً لأنه قد أرسل من قبل النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” في مهمة, أرسله إلى مكة, أرسله للتفاوض, إذن مع عدم حصول المبايعة الفعلية فهو معذور في هذا الأمر…}}.

وهذا الرد من قبل المرجع العراقي الصرخي كفيل بإسكات تلك الأفواه الطائفية التكفيرية المتعطشة لإراقة الدماء والتي تنفخ في نار التأجيج الطائفي من أجل ضرب الإسلام من الداخل وتشتيت وحدة الصف المسلم, فالمرجع العراقي الصرخي لم ولن يُكفر الصحابة رضي الله عنهم وإنما كان مدافعاً عنهم ويحاول لجم أفواه منتحلي التشيع, كما إنه لم يُكفر الشيعة وكان يحاول إلجام أفواه منتحلي التسنن من أجل بناء مجتمع إسلامي موحد قائم على احترام الأخر وعدم تكفير أحدهم للآخر حتى مع وجود هكذا روايات.

 

 

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى