-1- كأنّ هناك حربا ضروسا، واستعدادات واستحكامات، وتعبئة عامة لمواجهة وحش كاسر، وعدو شرس، يقال له رمضان، هكذا بدت عمان أمس، خاصة بعد أن أعلن عن ثبوت رؤية هلال رمضان، وكان صعبا على أي أحد التحرك في المدينة، بل إن ملامح الاستعداد للحرب بدأت قبل الثبوت، حيث كان نهار ذكرى نكسة حزيران، نهارا عصيبا على كل من سولت له نفسه التحرك داخل العاصمة!
-2- كما هي العادة، يعلن مسؤولونا عن امتلاء مخازننا بالغلال، والطحين، واللحوم، وما شابهها من سلع، لشهر يعتبره البعض شهر «فجع» و»شبع» لا شهر صوم وحرمان، ورغم تطمينات هؤلاء المسؤولين للمواطنين على توافر المواد الغذائية وامتلاء المستودعات بها لمواجهة «مجاعة» رمضان، إلا أن زحف الجماهير في الأسواق، للوصول إلى السلع المستهدفة، والاستحواذ على أكبر كمية منها، لم يتوقف ولم يهدأ، فمنذ الصباح تبدأ جحافل الجوعى بالإغارة على الاسواق ومن السهل جدا أن ترى هذه الجماهير وهي تتزاحم على شراء السلع التموينية؛ ما سبب حالة من الإرباك في كثير من أسواق العاصمة بسبب التدافع والاكتظاظ عند الشراء فيما بدا مشهد «طوابير» الانتظار أمام المخابز ومحلات الحلويات مألوفا جدا، في مدينة آمنة مستقرة لا مجاعة فيها ولا حرب، ولا تعاني نقصا في الطحين، ولا ندرة في رغيف الخبز، فكيف سيكون وضعنا، لو لم نكن نعيش في بحبوحة من السلع، أعني من حيث توافرها بكثرة، حتى ولو كانت باهظة الثمن بعض الشيء؟ -3- هناك عدو بعينه كان رأسه مطلوبا بشكل استثنائي اسمه القطايف، شاهدت جنون البحث عنه في أول يوم في رمضان، كل الناس يريدون أن يحافظوا على التقاليد الرمضانية العريقة، ومنها وأهمها، ليس صلاة التراويح طبعا، بل أكل القطايف، ولهذا رأيت الطوابير الهائلة تقف بالساعات أمام المخابز لنيل المراد والعودة بالصيد الثمين: كيلو أو اثنين من هذا العجين المسمى قطايف! طيلة الوقت ونحن نلوم التجار الجشعين الذين يتحينون الفرص لاصطياد فرائسهم من المستهلكين، فما بالنا نسكت عن هؤلاء المواطنين الذين يستمتعون بتحولهم إلى طرائد وفرائس سهلة للتجار، وذلك بعد أن أعلنوا النفير العام فهاجموا الخبز والقطايف والخضروات واللحوم والأسماك والمشروبات الرمضانية بلا هوادة ولا رحمة، رغبة في الإجهاز على رمضان، باعتباره شهرا للصوم، عبر التنكيل به، وتحويله إلى شهر للإيغال في الأكل، والشبع، والتنويع فيما يلتهمه الصائم، كي يعوض فترة انقطاعه المؤقتة والإجبارية عن افتراس والتهام الأكل، سواء لذ وطاب، أو ساء وخاب، اللهم إني صائم! –