نون والقلم

تكفين القضية الفلسطينية

دخلت مفاوضات الهدنة طويلة الأمد بين«إسرائيل» و«حماس» مرحلة الحسم في اطار الوساطة التركية القطرية التي يقوم بها توني بلير، ويحاول وفد من حماس برئاسة إسماعيل هنية نقل موقفه إلى قيادة حماس في الخارج حيث يبحث خالد مشعل تفاصيل الصفقة مع حلفائه الأتراك. وكانت قطر أوكلت أمر الصفقة إلى بلير ونجح في نقل الموقف «الإسرائيلي» الإيجابي على التفاصيل، واستبعدت كلاً من مصر والسلطة الفلسطينية والأردن من المشاورات لأن الصفقة عملياً صفقة إخوانية بحتة مع «إسرائيل» تتضمن ربط غزة مع قبرص التركية بخط بحري ورفع الحصار وتهدئة طويلة الأمد. لكن «إسرائيل» لن تسلم بوجود ترسانة صاروخية في غزة وستعمل جاهدة على نزع سلاح الصواريخ ووقف التصنيع اضافة إلى امور اخرى قد لا تظهر إلى العلن مبكراً.

الاتفاق هو عملياً تصدير أزمة غزة إلى تركيا بعد أن فشلت «إسرائيل» في تصديرها إلى مصر على مدى السنوات الماضية، حيث أوضح «الإسرائيليون» منذ الانسحاب الأحادي من غزة عام 2005 أن هدفهم النهائي تصدير أزمة غزة إلى مصر وتحويل الضفة إلى كيان هلامي مع ممر إلى الأردن مع استمرار احتلال أجزاء من الضفة لأسباب استيطانية وعسكرية.

وحتى الآن لم تفصح مصر عن موقفها من الصفقة المحتملة وان كانت «إسرائيل» تشاورت معها في هذا الشأن عن طريق موفدين إلى القاهرة، وليس من المرجح أن تبدي مصر تأييداً لهذه الإجراءات لخشيتها من ان تعمد قطر وتركيا إلى تحويل غزة إلى امارة ل«الإخوان» على حدودها الشرقية بعد فقدان جماعة «الإخوان» زخمها على الساحة العربية بفعل التغيير في مصر. بينما يراهن رجب طيب أردوغان الذي أعاد الدفء إلى العلاقات مع «إسرائيل» على إنجاح الصفقة كذخيرة له في الانتخابات المبكرة المحتملة في بلاده وللتأكيد أن زعامته لتيار «الإخوان» العالمي لم تفشل بعد.

في موازاة ذلك تمر السلطة الفلسطينية في أزمات داخلية متلاحقة حيث الصراع الصامت بين أبو مازن ومعارضيه من داخل حركة فتح وكذلك الحملة المنظمة ضده إعلامياً وسياسياً والممارسات «الإسرائيلية» على الأرض التي تفقده أي أمل في إطلاق المفاوضات مجدداً على قاعدة شروطه وهي وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى. فالرئيس الفلسطيني يكافح لإعادة ترتيب بيته وفق رؤيته سواء بعقد المؤتمر السابع لحركة فتح لانتخاب مجلس ثوري جديد وعقد المجلس الوطني الفلسطيني لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير بعد عجز كثير من الأعضاء إما بالمرض او التقدم في السن. وهاتان المحاولتان تواجهان معارضة من داخل فتح نفسها حيث يخشى بعض اعضاء اللجنة المركزية ان يتم إسقاطهم في مؤتمر فتح وتخشى بعض الفصائل ان يتم انتخاب لجنة تنفيذية على مزاج الرئيس.

لكن المؤكد أن أبو مازن الذي يشهد فتوراً في علاقاته مع كثير من الدول العربية بينما حماس تستعيد علاقاتها مع الرياض وغيرها لا يعبأ بكل هذا وهو يراهن على ان فرنسا ستتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الشهر المقبل يتضمن المطالب الفلسطينية وهناك مشاورات فرنسية امريكية لتمرير المشروع الفرنسي دون فيتو امريكي وفي هذه الحالة يكون قد حقق إنجازاً كبيراً يجعل اتفاق حماس مع «إسرائيل» بمثابة انفصال عن القضية الفلسطينية ومحاولة لخدمة أهداف حزبية «إخوانية» فقط. لكن حركة حماس أعدت مسبقا خطة متكاملة تم بحثها في مجلسها التشريعي في غزة بحيث تبدأ حملة اعلامية وحراكاً واعتصامات واتصالات دولية لنزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني باعتباره خذل المقاومة وساهم في فرض الحصار ويكبح المقاومة المسلحة في الضفة، حيث ان حماس تنتهج خطا مزدوجا وهو وقف اي عمل عدائي ضد «إسرائيل» من غزة والتصعيد العسكري في الضفة للتغطية على تفاهماتها الجارية مع «إسرائيل». وفي نهاية الأمر تأمل حماس وفق مخططها في تشكيل إطار من بعض المستقلين والفصائل لمخاطبة الدول المختلفة بدلاً من رئاسة السلطة وهي كلها خطوات أريد بها التغطية على ما سيكون، أي «إبحار غزة عبر المتوسط إلى قبرص» وبدء مرحلة جديدة على شكل أوسلو مصغرة توفر لجماعة «الإخوان» موطئ قدم على الأرض بعد ان مادت الأرض بها في كل المواقع التي كانت تظنها لها. فغزة كانت أول منطقة يسيطر عليها «الإخوان» في المنطقة العربية وباتت آخر منطقة.

الخيارات الفلسطينية في مثل هذه الأوضاع تبدو محدودة ف«إسرائيل» تحبذ انفصال غزة لأنه يحقق لها مكاسب سياسية جمة لعل أهمها أن السلطة التي تقاتل للاعتراف بها كدولة مجسدة على الأرض فقدت غزة بالكامل التي نقلتها حماس إلى الباب العالي التركي ولم تعد هناك قضية فلسطينية متماسكة سياسيا، وان حل الدولتين انتهى بمبادرة فلسطينية ولا حل الا بسلام اقتصادي على غرار سلام حماس مع «إسرائيل». ولكن يبقى هناك شعب فلسطيني تم تهميشه في كل ما يجري وهو الأدرى بمصالحه والقادر على قلب الطاولة عاجلاً ام آجلاً، لأن ما يحدث حالياً هو تكفين للقضية قبل دفنها.

نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى