كم من معادٍ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذهب وفي نيته الشر، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشرقت أنوار الإيمان في قلبه، ومن هؤلاء صحابي جليل ناصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم العداء، وحاول قتله أكثر من مرة وكاد ينجح في إحداهما، ولم يسلم أصحاب النبي كذلك من أذاه وتقتيله.
وفي يوم قرر هذا الصحابي أن يعتمر للبيت الحرام، فخرج قاصدًا مكة، ولكن سرية من المسلمين أسرته، وذهبت به إلى سارية من سواري المسجد وربطوه فيها حتى ينظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمره.
ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، وهم بالدخول فيه رأه مربوطا في السارية، فقال لأصحابه: أتدرون من أخذتم؟
فقالوا: لا يارسول الله.
فقال: هذا ثمامة بن أثال الحنفي، فأحسنوا أساره، ثم رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله وقال: اجمعوا ما كان عندكم من طعام وابعثوا به إلى ثمامة بن أثال، ثم أمر بناقته أن تحلب له في الغدو والرواح وأن يقدم إليه لبنها، وقد تم ذلك كله قبل أن يلقاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو يكلمه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقبل على ثمامة يريد أن يستدرجه إلى الإسلام وقال: ما عندك يا ثمامة؟
فقال: عندي يا محمد خير. فإن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت. فتركه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يومين على حاله، يؤتى له بالطعام والشراب، ويحمل إليه لبن الناقة ثم جاءه، فقال: ما عندك يا ثمامة؟
قال: ليس عندي إلا ما قلت لك من قبل، فإن تعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما تشاء، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه وقال: أطلقوا ثمامة، ففكوا وثاقه وأطلقوه.
وغادر ثمامة مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومضى حتى إذا بلغ نخلا من حواشي المدينة فيه ماء أناخ راحلته عنده، وتطهر من مائه فأحسن طهوره، ثم عاد أدراجه إلى المسجد، فما إن بلغ حتى وقف على ملأ من المسلمين وقال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم اتجه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا محمد.والله ما كان على ظهر الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، ووالله ماكان دين أبغض إلي من دينك؛ فأصبح دينك أحب الدين كله إلي. ووالله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح أحب البلاد كلها إلي. ثم أردف قائلا: لقد كنت أصبت في أصحابك دما فما الذي توجبه علي؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تثريب عليك يا ثمامة. فإن الإسلام يجب ما قبله، وبشره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه، فانبسطت أسارير ثمامة وقال:
والله لأصيبن من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك، ولأضعن نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك. ثم قال: يا رسول الله إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى أن أفعل؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: امض لأداء عمرتك ولكن على شرعة الله ورسوله، وعلمه ما يقوم به من المناسك.
فلمَّا قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
45 2 دقائق