نون والقلم

العرب والصين… إلى أين؟

نعثر في كتاب «التحدي الصيني، لفولفجانج هيرن، عن أفكار عميقة عن حجم التّغيير الذي تشهده الصّين، وهي تتأهّب لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، تتعلق بما يمكن تسميته بأسرار نجاح التجربة الصيّنية». وربّما تأتي ترجمة هذا الكتاب المهمّ في سنة 2011، أي في ذات السنة التي شهدت ما بات يُعرف بثورات الربيع العربي، في إطار محاولات لربط علاقات أكثر قوة مع العملاق الصيني، وربما الاستفادة من تجاربه، بعد أن فشل العرب في النسج على منوال الغرب.
وضمن هذه المحاولات للتقارب بين العرب والصين تعقد سنويّاً ملتقيات بينيّة، يحاول فيها الطرفان الصيني

والعربي، أن يبحثا سبل تعزيز التعاون المشترك، وتشبيك الروابط الاقتصادية، التي تعدّ لبنة أساسية من لبنات أي تواصل حضاري. غير أن المؤتمر الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة يومي 21 و 22 من مايو/أيار الجاري، يأتي كخطوة أساسية وضرورية، من أجل بناء جسور تواصل فكرية وثقافية مع العملاق الصيني.
من المهم جداً أن تتعزز فرص التواصل بين العرب والصين، ومثلما تعمل الأخيرة على إحياء طريق الحرير القديم، في إطار سياسة شمولية تسعى من خلالها إلى الزحف غرباً، وإعادة تشكيل مجالات النفوذ الحيوية، للإمبراطوريات المتحكمة الآن في العالم، فإن من واجب العرب أن يستأنفوا رحلاتهم الاستكشافية شرقاً، التي بدأها ابن بطوطة في القرن الرابع عشر ميلادي. وقد نحتاج في هذا العصر إلى أكثر من ابن بطوطة، حتى نقبض على «سر البيض» كما يقول المفكر الراحل مالك بن نبي، عندما كان يدرس إشكاليتي النهضة اليابانية والتأخر العربي.

التقارب العربي الصيني اليوم هو أكثر من ضروري، ليس فقط، من حيث أهميته الاقتصادية، بل من حيث أهميته الاستراتيجية ومن أجل المستقبل أيضاً. فعندما ننظر في خريطة التحولات الاستراتيجية التي يشهدها عالم ما بعد 2001، و 2011، سنجد أن الصين قد بنت طريقاً حزاميّة جعلها الشريك الأقوى للقارة الإفريقية، وهي تواصل زحفها «التشاركي»مع دول القارة، مستغّلة عنصرين مهمين. الأول هو حاجة دول القارة التي يفوق سكانها المليار نسمة، إلى شريك قوي يساعدها على التنمية والنمو. والثاني هو القدرات الاستثمارية الهائلة التي يتمتع بها العملاق الصيني، وهي قدرات قابلة لالتهام كل مصادر الطاقة الاحتياطية الضخمة التي تختزنها أراضي القارة السمراء.

وضمن التحولات الاستراتيجية الكبرى، أطلقت الصين عام 2013 مبادرة«الحزام و الطريق»، التي قال عنها وزير الخارجية الصيني «وانغ يي» إنها لاقت تجاوباً ومشاركة نشطة من نحو سبعين دولة مطلة على هذا الخط، وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط، وأن المبادرة تتضمن نحو ألف مشروع ستنفذ تدريجياً، منها ربط الدول «الأورو-آسيوية» التي يمر بها الطريق بشبكة من الطرق البرية والحديدية وخطوط الطيران، فضلاً عن الأنابيب وشبكات الإنترنت، وهو ما يهيئ الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية. وهذا يعني أن التنين الصيني من خلال امتداداته شمالاً و جنوباً بات يحيط بالمنطقة العربية، في ما يشبه سياسة «الكماشة» العسكرية، والتفاعل معه صار أكثر من ضرورة استراتيجية للمنطقة العربية…
وهناك عوامل عدة، يمكن أن تساعد على بناء جسر تواصل مع الحضارة الصينية المتجددة. أول هذه العوامل، أن الصين قد تغيرت جذرياً، فهي ليست ذاك البلد الذي يسعى لتصدير ثورته الشيوعية، فالشيوعية كما يقول فولفجانج هيرن، لم تبق في الصين إلا في إطار «الحزب الشيوعي» الحاكم، وكل ما هو خارج إطار الحزب ينحو منحى ليبرالياً. وربّما تزيل هذه التغييرات حاجزاً معنوياً مهماً، ظل يلازم ويعرقل التواصل بين العرب
والصين. العامل المساعد الثاني، هو أن الصين ورغم قوتها الاقتصادية، إلا أنها تسعى في خطابها الرسمي
وحتى الفكري إلى التعامل مع الجميع على أساس المساواة.
إن التحولات الاستراتيجية التي يشهدها عالم اليوم، تثبت أن المستقبل لا يمكن أن يكون غربياً محضاً، وأن العصر القادم لا يمكن أن يكون أمريكياً صرفاً، مثلما تم الترويج له عند احتلال بغداد. ومادام عصر الأحادية قد انتهى إلى غير رجعة، فمن مصلحة العرب، بناء جسور تواصل مع القوى الجديدة، وعدم إضاعة مثل هذه الفرص التاريخية التي تمنح لهم.
لن نقول إن الصين، ستحرر العرب من هيمنة الغرب، ففي العلاقات الدولية، هناك فقط مصالح. والعرب يمكنهم أن يستفيدوا من تشبيك علاقات ومصالح جديدة مع هذه القوى التي تسعى لتصدّر المشهد العالمي.
يبقى سؤال مهم، يأتي الصينيون للتحاور مع العرب، وفي أذهانهم، أن العرب مهما اختلفوا فهم شعب واحد، وهو يريدون التعامل مع قوى عظمى لا مع كيانات ضعيفة وممزقة تعيش الاحتراب الذاتي، لكن هل العرب هم فعلاً بفكر واحد وقلب واحد؟ و إذا كان الصينيون يروننا أمة واحدة، كما رآنا الغرب كذلك أمة واحدة، ونجح في تمزيقها، ألا يكون إحياء طريق الحرير، هو خطوة نحو إعادة تشكيل الوعي العربي في اتجاه إحياء روح الإمبراطورية العربية الإسلامية؟، حتى تكون قادرة على التعامل مع بقية الإمبراطوريات على قدم المساواة؟

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى