الزكاة واجبة فى أصناف حددها القرآن والسنة، حدد أوعيتها كما حدد مقاديرها ومن أوعيتها الإبل والبقر والغنم والزروع والثمار، فهل تخرج الزكاة من جنس هذه الأوعية، أو يجوز إخراج قيمتها نقدا أو من نوع آخر؟ .
جمهور الفقهاء على أن الزكـاة تخرج من جنس المال المزكى، لكن أبا حنيفة أجاز إخراج القيمة بدل العين، كما أجـازه مالك فـى رواية وكذلك الشافعى فى قول له، وفى قول آخر هو مخير بين الإخراج من قيمتها وبين الإخراج من عينها. ومن الأدلة على ذلك:
1 -أن زكاة الإبل قد تخرج من غيرها، وهى الغنم، ففى خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان كما هو معروف.
2 – النص على جواز القيمة النقدية أو نوع آخر فى حديث البخارى ” من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده الجذعة، وعنده الحقة فإنه يؤخذ منه وما استيسرتا من شاتين أو عشرين درهما “.
3- ما رواه الدارقطنى وغيره أن معاذ بن جبل قال لأهل اليمن.
ايتونى بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير فى الصدقة، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة. والخميس هنا هو الثوب الذى طوله خمسة أذرع ويقال سمى بذلك لأن أول من عمله هو الخمس أحد ملوك اليمن، ولم يثبت أن النبى أنكر عليه أن يأخـذ القماش بدل الذرة والشعير.
4 – قول النبى صلى الله عليه وسلم فى زكاة الفطر ” أغنوهم عن سؤال هذا اليوم ” رواه البيهقى أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم، فأى شىء سد حاجتهم جاز.
5 – قول اللَّه تعالى {خذ من أموالهم صدقة} التوبة: 103، ولم يخص شيئا من شىء.
هذه هى أدلة جواز إخراج القيمة بدل العين فى الزكاة كما ذكـرها القرطبى فى تفسيره “ج 8 ص 175 “:
وأورد دليل الرواية الثانية عن مالك بعدم الجواز- وهو ظاهر المذهب – بأن الحديث يقول ” فى خمس من الإبل شاة، وفى أربعين شاة شاة ” وقال القرطبى: نص على الشاة، فإذا لم يأت بها لم يأت بمأمور به، وإذا لم يأت بمأمور به فالأمر باق عليه.
ونوقش هذا الدليل بأنه قد يظهر فى أخذ شاة عن أربعين شاة، ولكن لا يظهر فى أخذ شاة عن خمس من الإبل، فالجنس مختلف وفد يُردُّ ذلك بأن الجنس واحد وهو الأنعام ولا يضر اختلاف النوع، فيؤخذ من الغنم بدل الإبل.
والاستدلال ضعيف لا يقوى أمام أدلة المجيزين، وبخاصة الدليل الثانى والثالث، حيث النص فى الأول على البدل وهو شاتان وعلى القيمة ” أو عشرين درهما ” وفى الثانى على البدل وهو القماش بدل الحبوب. فما استيسر من أى شىء بَدَلَ ما نص عليه فلا مانع منه، لأنه صدقة خرجت من ماله لا تنقص عن قيمة ما نص عليه، وقد تكون القيمة أنفع للفقير أو من يستحق الزكـاة، والزكـاة فى عروض التجارة تكون من القيمة، لأنها تقوم عند آخر الحول، ودليله ما رواه أحمد وأبو عبيد عن أبى عمرو بن حماس عن أبيه قال: أمرنـى عمر رضى اللَّه عنه فقال ” أدِّ زكاة مالك. فقلت: ما لى مال إلا جِعَابٌ وأَدَم، فقال: قومها ثم أدِّ زكاتها “. والجعاب جمع جَعْبة، وهى كنانة النبال أى كيسها، والأدم هو الجلد، يقول صاحب المغنى “ج 3 ص 58 “: وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا.
وأجاز أبو حنيفة إخراج الزكاة من عين السلع كسائر الأموال.
وبناء على هذه الأقوال أرى أن يراعى مصلحة المزكى فى تجارته الراكدة فيجـوز أن يخرجها من السـلع، وقد أشـار ابن تيمتة فى فتـاويه (ج 1 ص 299) إلى مراعاة المصلحة والدين يـسر، وحيث توجد المصلحة فثم شرع اللَّه.
40 2 دقائق