من وقت لآخر تظهر بعض أصوات محدودة في الإعلام، سواء في مقال صحفي أو برنامج تلفزيوني، يقول أصحابها، إنه لا توجد مؤامرة ضد عالمنا العربي، وإنهم لا يؤمنون أصلاً بنظرية المؤامرة.
وبعيداً عن الوثائق الرسمية الأمريكية، التي تسجل وجود المؤامرة، باعتبارها من اختصاص وكالة المخابرات المركزية، فلو رجع هؤلاء المشككون، إلى كتابين يعترفان بوجود المؤامرة، تخطيطاً وتنفيذاً، فسوف يجدون أن الكتابين ليسا من وضع مؤلفين أو باحثين عاديين، بل كتبهما اثنان كانا يشغلان مناصب رفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية، ومنهم من تم تكليفه رسمياً بزعزعة استقرار العالم العربي، وقلب أوضاعه، لإعادة تشكيلها من جديد، رغما عن إرادة شعوب المنطقة. هكذا بنص كلماته.
الكتاب الأول وعنوانه: «كسب الحروب الحديثة»، لمؤلفه الجنرال ويسلي كلارك، الذي كان قائداً لقوات حلف الأطلسي في أوروبا، وسبق له أن دخل سباق الترشح لرئاسة الولايات المتحدة.
وفي كتابه الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، يقول كلارك: ذهبت في أول مارس/آذار 2003 – قبل حرب العراق بأيام – إلى وزارة الدفاع في واشنطن، وقابلت زملائي الجنرالات لأسألهم عما إذا كانت أمريكا سوف تغزو العراق فعلاً. وأجابوني بأنهم ماضون في هذه الخطة، التي سيكون فيها العراق، المحطة الأولى، لتكرار ما سيحدث في العراق نفسه، في سبع دول أخرى بالمنطقة.
.. إذا لم نصف ما تكشف عنه هذه الشهادة بالمؤامرة، فبأي صفة أخرى نصفها؟
الكاتب الثاني: مايكل لادين. سبق أن شغل مناصب مهمة في وزارتي الخارجية والدفاع، ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وكان يعتبر في عهد بوش مستشاراً للرئيس، ومصدر إلهام للسياسة الخارجية، في الشرق الأوسط، خاصة في حرب العراق.
لادين كلف بعد سبتمبر/أيلول 2001، بوضع خطة تنفذ على مدى عشر سنوات، لتغيير دول المنطقة العربية من داخلها – سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً.
لادين يشرح خطته في كتابيه: «خيانة الحرية» و«الحرب على قادة الإرهاب»، ويصف خطته بالتدمير الخلاق. وأنها لا تهدف إلى إنزال هزيمة عسكرية بالخصم فقط، بل إخضاع المجتمعات لتغيير توجهاتها الفكرية والثقافية، بأسلوب نشر الفوضى، وصولاً إلى الحرب الشاملة، وهي الصورة التي صنعتها الفوضى الآن، بالحرب في العراق، وسوريا، وليبيا، مكملة لفكرة الحرب الشاملة.
مع العلم بأن لادين عدل بعد ذلك المصطلح من مسمى التدمير الخلاق، إلى الفوضى الخلاقة، تخفيضاً لوقع التأثير القاسي للكلمة. وإن كانت الفوضى الخلاقة قد نسبت خطأ إلى كوندوليزا رايس، بسبب ترديدها لها، وهي وزيرة للخارجية، لكنها كانت تستعير عنواناً لخطة موضوعة بالفعل.
إن من ينكرون المؤامرة ليسوا على معرفة بطبيعة النظام السياسي الأمريكي، الذي يختلف كلية عن نظام أي دولة أخرى، بما في ذلك الدول الأوروبية، وأن من يتعمق في طريقة عمل هذا النظام، يجد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لها واجهتان، الأولى التي تمارسها الدبلوماسية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية. والواجهة الثانية – الخلفية – تديرها وكالة المخابرات المركزية. وإذا كان المشككون يحتاجون إلى مزيد من الأدلة، فإليهم اعترافات اثنين من رؤساء أمريكا، هما جيرالد فورد، ورونالد ريغان، التي صرحا بها إثر ضجة في الكونغرس عن تجاوزات وكالة المخابرات المركزية في إدارة السياسة الخارجية.
ففي عام 1975، أصدر ريغان بياناً رئاسياً، يطلب وقف خطط المؤامرة، بنفس المواصفات. لكن مع مجئ بوش للحكم عام 2001، عادت خطط المؤامرة رسمياً باعتراف بوش نفسه، مبرراً بإعادتها بقوله نحن في زمن حرب، واستمرت المؤامرة مع وصول أوباما للحكم. وليس أدل على ذلك مما ذكرته أكبر صحيفتين في الولايات المتحدة، وهما «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، من أن وصول الإخوان إلى حكم مصر، كان تطبيقاً لاستراتيجية معتمدة من إدارة أوباما، وليس لجهد ذاتي من الإخوان، أي بالتدخل في شؤون مصر الداخلية.
وإذا لم يكن كل هذا، وهو المسجل بالوثائق الرسمية الأمريكية، دليلاً على المؤامرة فكيف تكون المؤامرة إذاً؟