تميزت فترة الحرب العالمية الأولى بمناورات بريطانية فاضحة. ففي عام 1919 تبادل السير هنري مكماهون، المعتمد البريطاني في مصر والشريف حسين بن على، (شريف مكة) الرسائل. ونتج عن تلك المراسلات وعد بريطاني بتأييد استقلال المشرق العربي.
وفي الوقت الذي جرت فيه تلك المراسلات والاتفاقات بين بريطانيا والشريف حسين، أجرى البريطانيون اتفاقية سايكس- بيكو التي تم إبرامها في 16 مايو/أيار 1916، وبموجبها جرى تقاسم التركة العثمانية في المشرق العربي، بين فرنسا وإنجلترا.
وبالنسبة للصهاينة، فإنهم حصلوا في 2 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، على وعد بلفور الذي نص على أن «بريطانيا» تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وستبذل أفضل مساعيها لتسهيل هذه الغاية.
وعلى الرغم من أن وعد بلفور شكل تناقضاً واضحاً للنتائج التي تمخضت عنها مراسلات مكماهون والشريف حسين. فإن تنفيذ اتفاقية سايكس- بيكو أعطيت الأولوية في التنفيذ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى مباشرة. وقد منحت هذه الاتفاقية المشروعية الدولية عندما صادقت عصبة الأمم في 24 يوليو/تموز عام 1922 على الانتداب البريطاني لفلسطين وشرقي الأردن، والذي عنى في نتائجه تمكين بريطانيا من الوفاء بوعدها تجاه الصهاينة..
وكان من نتائج وعد بلفور مضاعفة الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وكلما ازدادت أعداد المهاجرين اليهود، تفاقمت الأزمة بين الفلسطينيين والمهاجرين الجدد، حتى تصاعد هذا التوتر إلى عنف وانفجارات في نهاية الثلاثينات.
لم يكن التوازن في هذا الصراع لصالح الفلسطينيين العرب. فالفلسطينيون في صراعهم مع الصهاينة لم يكونوا مفتقدين للتنظيم والقيادة المقتدرة فقط، ولكنهم كانوا ممزقين إلى عشائر ومجاميع صغيرة. ولذلك فإن غياب التنظيم ووحدة العمل جعل تحقيق الهدف الفلسطيني في الاستقلال ومنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين أمراً غير ممكن التحقق في مثل تلك الظروف. وكانت نتيجة ذلك أن كثيراً من الاحتجاجات والانتفاضات الفلسطينية ضد البريطانيين وحركة الهجرة اليهودية في نهاية الثلاثينات انتهت بنتائج مأساوية.
في عام 1947، عقدت بريطانيا النية على التخلي عن انتدابها لفلسطين، وطلبت من الأمم المتحدة معالجة الصراع اليهودي – العربي في فلسطين. وفي 3 سبتمبر/أيلول 1947، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 المتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية. ونص القرار بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: الشطران الأولان يقسمان بالتساوي بين الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون آنذاك 70% من التعداد الكلي للسكان واليهود الذين لا يشكلون أكثر من 30% من سكان فلسطين. أما الشطر الثالث فيضم مدينة القدس، وستجري إدارته بنظام دولي. وقد جاء نص القرار كالتالي: «دولتان مستقلتان عربية ويهودية ونظام دولي خاص بمدينة القدس سيبرز إلى الوجود في فلسطين بعد شهرين من إتمام مغادرة القوات المسلحة لسلطة الانتداب.
رفض العرب، والفلسطينيون بشكل خاص، هذا القرار؛ حيث لم يأخذ مخطط التقسيم بعين الاعتبار نسبة التعداد السكاني للشعب الفلسطيني، ولأن الفلسطينيين في أغلبيتهم اعتبروا المهاجرين الجدد من اليهود إلى فلسطين في حكم الأجانب الذين لا يملكون الحق في الإقامة الدائمة على هذه الأرض.
وفي منتصف مايو/أيار 1948، أعلن اليهود من جانب واحد قيام «إسرائيل». واندلعت الحرب مباشرة بين العرب والدولة الصهيونية. انتهت تلك الحرب بهزيمة للجيوش العربية. وكانت نكبة واجهها الفلسطينيون والعرب جميعاً. ونتج عنها تشرد معظم الفلسطينيين عن وطنهم، وبقاء أقلية منهم تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي. وانتهى الفصل الأول في مأساة الشعب العربي الفلسطيني، لتتبعه فصول أخرى أكثر قسوة ومعاناة، وأشد مرارة.
لقد تحقق الحلم الصهيوني في اغتصاب فلسطين وإقامة وطن قومي لليهود على أرضها، بينما لم يتمكن الفلسطينيون من تحقيق حلمهم في تحرير فلسطين وإقامة دولتهم المستقلة فوق ترابها.
ومنذ نهاية تلك الحرب وحتى يومنا هذا، عاش اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات بائسة، بنيت لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان. وبعد عدوان يونيو/حزيران 1967، أضيف لهؤلاء فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد أن احتلت إسرائيل البقية الباقية من الأراضي الفلسطينية.
ومع أن الفلسطينيين بدأوا مقاومتهم الباسلة المعاصرة، في مطلع عام 1965م، وتم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وعيد للشعب الفلسطيني، فإن تحقيق حلم التحرير لا يزال بعيد المنال. ولم يكن لهذا الحلم أن يتحول إلى أمر واقع، في ظل غياب الاستراتيجية الفلسطينية لاستعادة فلسطين. وفي ظل انقسام الفلسطينيين أنفسهم، بين مناهج فاشلة ومواقف عدمية.
وأولى الخطوات الصحيحة على طريق تصليب الكفاح الفلسطيني، هو تحقيق المصالحة الفلسطينية، على قاعدة التمسك بحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه، وقيام دولته المستقلة فوق ترابه الوطني، ودعم الانتفاضة الفلسطينية، واعتماد هذه الخطوات بوصلة عملية للتحرير.