- فيديوهاتدوشة فنية

فى ذكري ميلاد الزعيم..«اختراع القضاء على الحزن»

“هو أجمل اختراع للقضاء على الحزن” لعل هذه الجملة التي قالها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ عن الزعيم عادل إمام، تلخص مشوار حياة هذا النجم الاستثنائي الذى استطاع أن يمنحنا السعادة والبهجة من خلال مشواره الفني الذى امتد نحو 50 عاما.

لم يأت تميز عادل إمام على مدار حياته الفنية من قبيل الصدفة، كما أنه لم يعتمد على الجاذبية والوسامة التى استند عليها بعض أبناء جيله، لكنه امتلك من الذكاء الفنى ما جعله يتربع على عرش الكوميديا حتى الآن، ليظل الزعيم الذي صنع بهجة جيل بأكمله، ولايزال.

وفى ذكرى ميلاده الـ76 نعيش مع الزعيم أهم محطات حياته التي أهلته لأن يكون “صاحب السعادة” في قلوب محبيه.

حي الحلمية لم يولد عادل إمام وفي فمه ملعقة من ذهب، فلم يكن ابنا لأسرة غنية، أو يشغل أفرادها المناصب العليا، بل كان ابنا لعائلة بسيطة نزحت من قرية صغيرة قرب المنصورة، وجاءت للقاهرة في أوائل الثلاثينات، فكان والده صول بالشرطة، أما والدته فكانت سيدة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة، وكان عادل ابنهم الأكبر، بالإضافة لعصام الأوسط، ثم الابنة الصغرى إيمان.

ولد عادل إمام في 17 مايو عام 1940 في حي السيدة عائشة، وعاش هناك بضع سنوات، حتى انتقلت أسرته للحلمية التي شهدت فترتي صباه وشبابه، ولم تكن الحلمية مجرد مكان يعيش فيه، بل مثلت جزءً مهمًا في حياته، فكما يقول في حوار قديم ” في الحلمية كنت عايش وسط الناس، أما ولية حاتولد نجري نجيب الداية، لما تحصل حريقة ندخل فيها ونطفي النار لغاية ما تيجي عربية المطافي، لما حد يعاكس بنت من بنات الحتة ناكله بأسناننا، ولما حد يموت ومعندوش مصاريف جنازة نجمع قرشين، كنت عايش تفاصيل حياة الناس اليومية”.

معاملة قاسية

لم يكن عادل إمام طفلا مدللا، بل كان والده قاسيا في معاملته له بسبب شقاوته الشديدة سواء في الحي أو المدرسة، وكان الضرب المبرح جزاء لأي خطأ يرتكبه، فيقول ” أبويا كان بيشتغل في البوليس، لو صوتي قلق ودانه ألقى الأقلام على وشي عدل مفيش فصال، وأفضل أعيط، وأصعب على أمي، وتقوله كفاية يا حاج، كفاية الواد حيسورق، مفيش فايدة”.

أبو دم خفيف

التحق عادل إمام بمدرسة الحلمية الابتدائية، ولم يكن تلميذا متفوقا، فكان يكره المواد التي يدرسها، ماعدا مادة التاريخ التي كان يعشقها، وقد اشتهر في المدرسة بخفة الدم الشديدة، وتقليده لأصدقائه ومدرسيه، فيقول ” كنت أترازل على خلق الله، واقلدهم بطريقة ساخرة، وأتعمد تلوين صوتي والاهتمام بالأداء وأنا أقرأ بعض النصوص أو القصص المقررة علينا، وقد تعلقت بهذه الطريقة من خلال الأستاذ مسعود مدرس اللغة الإنجليزية الذي كان يطلب منى أن أقوم بقراءة القصة، والتعبير عن حوار كل شخصية بطريقة مختلفة، وكان الأستاذ مسعود من أوائل اللذين لفتوا نظروا إلى موهبة التمثيل، وشجعني عليها بشكل غير مباشر، لمجرد أنه كان يضحك جدا من طريقة أدائي”.

وعلى الرغم من أن عادل إمام كان يثير ضحك من حوله، إلا أن ذلك سبب له ألما نفسيا في البداية، لأنه تصور أن الناس تضحك عليه وليس منه، تضحك من شكله، ولا تضحك من ذكائه وظرفه، ولكنه أدرك بعد فترة أن ذلك لم يكن صحيحا، وكانت نقطة التحول في هذا الأمر، عندما تلقى تحية من الجماهير التي تجمعت في إحدى ساحات حي الحلمية، حيث وقف عادل يؤدي شخصية عسكري بريطاني من جيش الاحتلال يطارد أبطال المقاومة، وذلك من أجل رفع الروح المعنوية للشعب في أعقاب العدوان الثلاثي عام 1956، فيقول “**كان العسكري خائفا ومرتجفا ومثلت هذه الشخصية وأعطيتها جرعة ضخمة من الخوف، جعلت جمهور الساحة الشعبية يغرق في الضحك.. في هذه المرة سمعت لأول مرة صوت الضحك والتصفيق على شخصية اخرى غير شخصيتي الحقيقية”.

شيوعي ومتصوف

التحق عادل إمام بمدرسة بنباقادن الثانوية، وكان والده يحلم بأن يحصل على الشهادة الثانوية بمجموع كبير، ليكون مهندسا أو طبيبا، ولكن هذا لم يحدث، حيث كان لعادل اهتمامات أخرى غير الدراسة، مثل شلة أصدقائه، القراءة التي كان يعشقها، حلم الوقوف على المسرح خاصة بعد نجاحه في أداء شخصية الجندي الإنجليزي.

السياسة أيضا شغلت جزءً من اهتماماته في تلك الفترة، حيث انضم لحزب شيوعي، وقد حكى ذلك قائلا ” فى المرحلة الثانوية اشتركت في حزب شيوعي من خلال صديقي عادل بيومي، وكانت له اهتمامته السياسية التي تأثرت بها، لأنه كان يجلس بجواري في الفصل، وانضممت لحزب العمال والفلاحين الشيوعي، برغم أني في وقتها لم أكن أفهم معنى كلمة شيوعية، ولكني لم أستمر معهم كثيرا بسبب الاسم الحركي، حيث كان معتادا أن يكون لكل عضو اسم حركي غير اسمه الحقيقي، وحدث أن اختاروا لي اسما حركيا هو عادل، وكنت أحب أن يكون اسمي الحركي مختلفا وغامضا، فقمت بتركهم” ، ومن الشيوعية إلى التصوف، حيث جاءت عليه مرحلة دخل فيها مرحلة التصوف، حيث كان ينتظم في حلقات الذكر التي تقام في الموالد، ويقرأ في كتب التصوف، كل هذا أدى لإهماله دراسته، فرسب عامين متتالين، وهنا فقد الأب الأمل في ابنه الأكبر على اعتبار أنه طالب فاشل، وقرر أن يكتفي بهذا القدر من التعليم، ويعمل في أي وظيفة بشهادة الابتدائية.

ابني حيكمل جامعة

على الرغم من أن والد عادل إمام كان له الكلمة الأولى والأخيرة في المنزل، ولم تكن زوجته تناقشه أو تراجعه في أي قرار يتخذه، إلا أنها في هذا الموقف لم تقف صامتة، حيث وقفت أمام زوجها لتقول له بصوت عال ” ابني حيكمل جامعة يعني حايكمل جامعة” ومع إصرار الأم الشديد على أن يستكمل ابنها تعليمه، لم يكن أمامه في النهاية سوى الاستجابة لها، فوافق على إعادة ابنه للثانوية العامة للمرة الثالثة، وهنا واجهتهم مشكلة آخرى، لأن عادل استنفذ فرص التعليم النظامي في تلك المدرسة، فقرر الأب أن تنتقل الأسرة كلها إلى الإسكندرية، لكي يبتعد ابنه عن الأجواء التي يعيش فيها، وتلهيه عن المذاكرة والتركيز، والتحق عادل بالمدرسة الثانوية المرقصية، وحصل على الثانوية العامة بمجموع صغير أهله للالتحاق بكلية الزراعة.

زكي جمعة

في مسرحية مدرسة المشاغبين، كان هناك إفيه شهير لعادل إمام يقول فيه ” المدارس باظت يا جدعان.. فين أيام رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وعلي مبارك وزكي جمعة.. مين زكي جمعة ده” ، الواقع أن زكي جمعة لم يكن مجرد اسم أطلقه عادل إمام، بل كان أحد الأشخاص الذين ساهموا في تكوين شخصيته الفنية، فعقب التحاقه بكلية الزراعة، حاول أن يركز في دراسته، ولكنه لم يستطع، فقد أصبح التمثيل مسيطرا على أحلامه، فبدأ يبحث عن فريق التمثيل بالكلية، والتقى بمحمد زكي جمعة رئيس فريق التمثيل بالكلية الذي ضمه لفريق التمثيل، ووقف بجانبه وسانده، فشجعه على القراءة والاطلاع، وتعلم منه كيف يقرأ في المسرح، وفي فن التمثيل، ولأعلام الكُتاب في القصة والرواية والمسرحية.

قدم عادل إمام عدة مسرحيات مع فريق التمثيل، أثبت فيها موهبته الكبيرة، مما جعل زكي جمعة يختاره رئيسا لفريق التمثيل، بعد حصوله على البكالوريوس.

بدأ فريق التمثيل -تحت قيادة عادل إمام- يقدم مسرحيات من الأدب العالمي لسارتر وتشيكوف، ومن الأدب المحلي، وكانت تلك الفترة المدرسة الحقيقية التي تعلم من خلالها فن التمثيل، وبدأ يدرك أن الفن ليس موهبة فقط، بل دراسة وخبرة إلى جانب الموهبة.

معايا عسلية

في تلك الفترة، كان عادل إمام يبحث عن فرصة لاحتراف التمثيل، وفي أحد الأيام فوجىء بزميله وصديقه صلاح السعدني يقول له أن فرق التليفزيون المسرحية تطلب وجوها جديدا، واقترح عليه أن يتقدما بطلبين للالتحاق بالمسرح، وبالفعل تقدما للامتحان في لجنة واحدة مكونة من الفنانين محمد توفيق و محمود السباع و عبد المنعم مدبولي، وكانت المفاجأة أن نجح صلاح وسقط عادل، لأنه قام بتمثيل مشهد تراجيدي من مسرحية بعنوان ثورة الموتى، وقد أثار بأدائه ضحك اللجنة، ولما التقى بعد ذلك بمحمد توفيق سأله إذا كان لا يصلح للتمثيل، فأجابه قائلا ” تصلح.. بس ابعد عن التراجيدي، ودور على مشهد تاني كوميدي” وبالفعل استمع لنصيحة محمد توفيق، والتحق بالمسرح في دفعة أخرى جمعت بينه وبين سعيد صالحو جورج سيدهمو الضيف أحمد.

كانت أول أعمال عادل إمام في مسرح التليفزيون دورا صغيرا لا يتعدى دقيقة، حيث اختاره المخرج حسين كماللأداء دور بائع عسلية في مسرحية ثورة قرية، فكان يقول جملة واحدة ” معايا العسلية بمليم الوقية” ثم يضيع في الزحام، ويختفي من المسرح، ولا يظهر مرة آخرى.

ده لسه عيل

أعتقد عادل إمام أن الحظ ابتسم له، وأنه سيشارك في العديد من المسرحيات بعد ذلك، ولكن ما حدث أنه تم فصله من مسرح التليفزيون، لأنه كان من بين مسوغات التعيين شهادة المعاملة من الخدمة العسكرية، ولأنه لم يحصل عليها، لأنه لايزال طالبا جامعيا، والخدمة العسكرية مؤجلة إلى ما بعد التخرج، تلقى خطابا بالفصل من المسرح، وانهارت آماله، لكنه ظل يتردد على المسرح ليعيش في الجو الفني.

في تلك الأثناء، ابتسم له الحظ مرة آخرى، عندما قابل مديرة المسرح فايزة عبد السلام، التي عرضت عليه أن يقوم بدور وكيل محامي في مسرحية أنا وهو وهىمن إخراج عبدالمنعم مدبولي، فوافق على الفور، وعندما شاهده أبطال المسرحية انقسموا في الآراء بشأنه، فقال منتج المسرحية سمير خفاجيأنه لا يصلح للدور، وقالت شويكار ” ده لسه عيل” بينما وافق فؤاد المهندس على قيامه بالدور وقال ” لا ده يصلح.. وأنا أعرفه عن طريق المسرح الجامعي حين كنت مشرفا عليه” ، وبالفعل قدم عادل إمام شخصية الأستاذ دسوقي بتميز شديد، وقال جملته الشهيرة ” بلد بتاعت شهادات صحيح” ليكون هذا الدور بداية الطريق لعالم الشهرة والنجومية، حيث اختاره بعدها الفنان فريد شوقيالذي أنتج فيلم أنا وهو وهى لأداء نفس الشخصية، وكان أجره عن الفيلم 50 جنيها، بعدها انطلق يقدم العديد من الأدوار الصغيرة في بعض الأفلام مثل العقلاء الثلاثة و إجازة بالعافية و سيد درويش، ثم التقى المخرج فطين عبد الوهاب الذي اقتنع بموهبته الكوميدية، فقدمه في سلسلة الأفلام الكوميدية التي قدمتها شادية و صلاح ذو الفقار مثل مراتي مدير عام و كرامة زوجتي و عفريت مراتي، ومن الأفلام أيضا التي قدمها في تلك الفترة نص ساعة جواز و أضواء المدينة و لصوص لكن ظرفاء، كما اشترك أيضا في مسرحيات حالة حب و ذات البيجامة الحمراء و غراميات عفيفي، ومع بداية السبعينات وتحديدا عام 1973 كان موعد عادل إمام مع البطولة المطلقة من خلال فيلم البحث عن فضيحةللمخرج نيازي مصطفى.

إحنا حنتجوز

كان اهتمام عادل إمام في تلك الفترة منصبا على الفن والتمثيل، ولم يكن الزواج والحب ضمن اهتماماته، خاصة أنه مر في بداية مشواره الفني بقصة حب فاشلة مع فنانة، عندما رفضه والدها بسبب ظروف المادية السيئة، مما ترك جرحا في قلبه، وجعله ينسى التفكير في موضوع الزواج، حتى قابل زوجته ورفيقة عمره هالة الشلقاني، وقد حكى عادل إمام في كثير من حواراته عن قصة حبه وزواجه، فقال أنه في تلك الفترة كان يذهب كثيرا لمنزل صديقه المنتج سمير خفاجى في جاردن سيتي من أجل مسرحية مدرسة المشاغبين الذين كانوا يستعدون لتقديمها، وفي أحد الأيام رآها تطل من شباك الشقة المجاورة، فسأل سمير خفاجى عنها، فقال له ” دي هالة عايشة مع ستها، دي بنت ناس أوي، دي من عيلة الشلقاني”، ومن هنا بدأ التعارف بينهم، وتعددت اللقاءات بينهم، وكان عمر هالة في ذلك الوقت 20 عاما، بينما عادل يكبرها بـ12 عاما، وعلى الرغم من أن عادل بدأ يشعر بالحب تجاهها، إلا أنه لم يفاتحها في أمر الزواج، حتى وجدها ذات يوم تقول له ” يا عادل إحنا حنتجوز.. إحنا لبعض” ، وبالفعل تم الزواج، وكانت إمكانيات عادل إمام في ذلك الوقت ضعيفة جدا، فاضطر العروسان بعد كتب الكتاب إلى الفراق، ليبيت كل منهما في بيت أسرته، وظلا على هذه الحالة بضعة شهور، حتى عثر عادل على شقة في المهندسين. تغيرت حياة عادل إمام للأفضل بعد الزواج، وعاش حياة مستقرة وسعيدة مع زوجته التي أنجبت له أبنائه الثلاث رامي، سارة ومحمد.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى