- أهم الأخباراخترنا لكالأخبار

السعودية في «مأزق»

المملكة العربية السعودية في ورطة خطيرة، حيث قامت مجموعة بن لادن، أكبر شركة للبناء في المملكة، بتسريح أكثر من خمسين ألف موظف أجنبي ومنحتهم الشركة تأشيرات الخروج لمغادرة السعودية، ودفع الغضب بعض العمال إلى إضرام النار في سبع حافلات تابعة للشركة اليوم الثلاثاء.

في أبريل، أقال الملك سلمان وزير المياه والكهرباء، عبد الله الحسن، الذي تعرض لانتقادات بسبب ارتفاع أسعار المياه، في سلسلة إجراءات جديدة تتضمن خفض الدعم على الطاقة، في محاولة لتوفير أموال لخزينة الدولة التي تعاني من انخفاض أسعار النفط.

أعرب غالبية السعوديين عن رغبتهم في استمرار الدعم الحكومي للمياه والكهرباء، حيث أنهم غير مستعدين لإلغاء هذا الدعم. فهم يرون في ذلك حقهم لكونهم رعايا إحدى الدول الغنية بالنفط، فلماذا يجب على الدول البترولية عدم توفير الطاقة المجانية لمواطنيها؟ّ!.

ورث الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود  – عندما تولى الحكم العام الماضي – المملكة في حالة يرثى لها، حيث تعتمد وزارة المالية السعودية على مبيعات النفط بنسبة أكثر من 90 %  من عائداتها؛ السكان لا يدفعون ضرائب، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لجمع الأموال هي من مبيعات النفط؛ وفي الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط من 100 دولار للبرميل إلى 30  دولار للبرميل، انهارت عائدات النفط للمملكة وفقدت المملكة العربية السعودية 390 مليار دولار من عائدات النفط التي كانت متوقعة في العام الماضي؛ ووصل العجز في ميزانيتها إلى 100 مليار دولار –  أعلى رقم في تاريخها.

للمرة الأولى منذ عام 1991، تحولت المملكة العربية السعودية إلى عالم التمويل الخاص لجمع 10 مليارات دولار من أجل الحصول على قرض. لجوء دولة  كالسعودية لديها صندوق ثروة سيادية واسع إلى الاقتراض لتغطية نفقاتها يعد مؤشرا على الأسس الهشة لنظامها الاقتصادي.

ومن أجل إيجاد حل لهذا الأزمة، استعانت المملكة العربية السعودية بشركة “ماكينزي” الاستشارية العالمية، وبالفعل أرسلت الشركة محلليها للمملكة، وخرجوا  في ديسمبر 2015 برؤية “المملكة العربية السعودية بدون النفط: تحول في الاتجاه المالي والإنتاجي”.

كان من الممكن أن تقوم الشركة الاستشارية بكتابة هذا التقرير دون زيارة ميدانية. فهو يحمل كل كليشيهات الليبرالية الجديدة: تحويل قيادة الاقتصاد من الحكومة إلى اقتصاد يقوده السوق، وخفض الدعم، وبيع الأصول الحكومية لتمويل هذه الخطة الانتقالية؛ كما يدعو التقرير إلى خفض وظائف القطاع العام وتخفيض في أعداد ثلاثة ملايين من العمال الأجانب ذوي الأجور المتدنية بالفعل الذين يعملون لدى المملكة.

لكن ما لم تضعه شركة ماكينزي في الاعتبار هو الاقتصاد السياسي للمملكة وثقافة مواطنيها، الذي يعتمد برمته على التوظيف الحكومي للرعايا السعوديين واستعباد العمالة الوافدة ذات الأجور المتدنية؛ وتغيير هاتين الدعامتين يضع بقاء النظام الملكي محل شك وتساؤل، فكان يجب أن تقول شركة ماكينزي بصراحة أن السعودية بدون النفط هي السعودية بدون النظام الملكي.

ومع ذلك، نسخ محمد بن سلمان ولى ولي العهد تقرير شركة “ماكينزي” في كلمته حول الرؤية السعودية عام 2030، فجاء بيانه بما لا يختلف كثيرا عن اقتراحات الشركة الاستشارية، الأمر الذي يظهر افتقاره للخبرة.

وحول رؤية الأمير للسعودية  بدون نفط 2030، فإن التحول من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد صناعي سياحي سوف يتطلب جرعة كبيرة من الاستثمار. لتأمين هذا الاستثمار، تخطط المملكة العربية السعودية لبيع حصة صغيرة من شركة أرامكو النفطية المملوكة للدولة، وتهدف الخطة إلى جمع على الأقل 2 تريليون دولار من ذلك البيع ومن بيع أصول أخرى مملوكة للدولة. ومن شأن هذه الأموال تعزيز صندوق الثروة السيادية المستنفد، وإلا سينضب قبل حلول 2030.

وسيتم استخدام صندوق الثروة السيادية المعزز لتطوير قطاعات صناعية جديدة مثل البتروكيماويات والصناعات التحويلية والسياحة. وسوف يتم السماح للأجانب بتملك العقارات في المملكة وسيتم تشجيع النشاط التجاري من قبل الدولة.

كيف يحدث كل ذلك بحلول عام 2030- الموعد المقترح من قبل الأمير؟ وهل ستكون المملكة قادرة على تحويل سكانها بسرعة من قبض عائدات النفط إلي العمل كموظفين في بيئة اقتصاد السوق غير الآمنة؟ طالما يشير التاريخ إلى عدم الرضا في أوساط الجمهور إزاء هذا النوع من التحول الهائل. فهل يستطيع أفراد العائلة المالكة السعودية إدارة والتحكم في مستوى الغضب الذي سوف يثيره هذا التغيير.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى