نون لايت

«الطبالا» في غينيا.. تواصل روحي بين المسلمين

على وقع قرع الطبل الملكي أو “الطبالا” كما يصطلح على تسميتها محلّيا في إقليم غينيا الوسطى، يستيقظ، يوميا، الرّعاة الفولانيون (من مسلمي البلاد) من سباتهم العميق، استعدادا للوضوء لأداء صلاة الفجر.

ومع أنّ الدقائق الأولى التي تلي مغادرتهم لمخادعهم تمرّ ثقيلة، إلاّ أنه وبمجرّد انتهائهم من الوضوء، تعتري تلك الحشود حالة من النشاط والحركة والجلبة، قبيل قيامهم بأداء الفريضة.

“الطبالا” في تلك الربوع تتجاوز كونها مجرّد آلة إيقاعية يمكن إخضاعها لنوتة معيّنة، وإنما تجسّد أبعادا أعمق من ذلك بكثير، في صلة بجملة من الطقوس الحمّالة لرموز تستبطن وظيفة تواصلية ذات أهمية محورية بالنسبة لشعب الفولاني على وجه الخصوص، بل إنها تستخدم أداة لمحاربة الوثنيين المستقرين في المنطقة، ونشر الإسلام في مختلف أرجائها.

“الطبالا تشكّل أداة تواصل بين الرعاة المسلمين”، يقول ييري ديالو، أحد أعيان منطقة فوتا- جالون” المعروفة بفنون الكلام، “وذلك بغرض محاربة الوثنيين المستقرين في هذه المنطقة، سعيا نحو نشر وتعميم الإسلام في مختلف أرجائها”، موضحا، في حديث للأناضول، أنّ “الطبالا في معناها الروحي لا توجد سوى في فوتا جالون، (وسط البلاد) في حين أنّ بقية المناطق، تستخدم الطبل التقليدي المتعارف عليه”.

خصوصية تستمدّ تفرّدها من طقوس ورموز وأبعاد مختلفة. “ففي صورة قرعت الطبالا لـ 9 أو 13 مرة متتالية”، يضيف ديالو، “فهذا بمثابة الإعلان عن وفاة زعيم أو أحد الأعيان أو كبير المرابطين، لكن حين تقرع الطبالا بطريقة مسترسلة وعلى امتداد دقائق طويلة، فهذا يعني وجود خطر وشيك، مثل اندلاع النيران في الهشيم، ما يستدعي حشد القرويين للذهاب بسرعة لإخماد الحريق”، لافتا إلى أنّ مثل هذا القرع الأخير كان في السابق ينذر بهجوم أو بغزو خارجي”.

شكل دائري مصنوع من جلد البقر بطريقة تمكّن من إصدار صوت مميّز لدى قرعه.. تلك هي “الطبالا” الغينية.. نوع من الطبل يقرع بقطعتين من الخشب، ويصنعه حرفيون مختصّون يطلق عليهم محلّيا اسم “لاوبهي”، كما أنه يعدّ ملكية حصرية لزعيم القرية.

وبالفعل، فإنّ ديالو هو أحد أفراد عائلة تتوارث مهمّة المحافظة على “الطبالا” في منطقة “دومبا”.. “لكلّ منطقة طبالا واحدة فقط، ولا يمكنها حيازة أكثر من واحدة”، يضيف ديالو بحماس، “كما أنه لا يمكن لأي شخص امتلاكها وذلك مهما بلغت درجة ثرائه”.

وعلاوة على ذلك، لفت ديالو إلى أنّه “يتعيّن على زعيم المنطقة أن يكون على دراية واسعة بالتقاليد المحلّية، ففي منطقتنا، على سبيل المثال، تدار الطبالا من قبل فرد من عائلة واحدة خدمت العائلة الملكية، وتلك العائلة المتشبّثة بهذا التقليد تسهر على حماية هذا التسلسل والطبالا في الآن نفسه”.

ونظرا للخصوصية التي تتمتّع بها “الطبالا”، فإنّ هذه الآلة لا تطلّ من مخبئها إلا في المناسبات الهامة، مثل استقبال إحدى الشخصيات البارزة، أو افتتاح الاحتفالات الكبرى، أو في المناسبات الدينية مثل حفلات الختان.. تختلف المناسبات غير أنها تلتقي في أهميتها، ما يفسّر “حقيقة أن الطبالا لا تقرع إلا عندما يتعلّق الأمر بمصلحة عامة تشمل القرويين”.

خصوصية أخرى تميّز تعامل هؤلاء القرويين مع هذه الآلة الثمينة بالنسبة لهم، وهو أنه يحظر تماما عليهم لمسها إلا عند إقامة الحفلات في البلدة. ففي مثل هذه المناسبات، يسمح لهم، -وعموما للأطفال فقط- بلمس “الطبالا”. “هذا الأمر يمكّن الأطفال من اكتشاف إيقاع الآلة”، يقول ديالو مبتسما.

ومع أنه يصعب تحديد تاريخ دقيق لظهور “الطبالا” لدى الشعب الفولاني في غينيا الوسطى، إلاّ أنّ المؤرخ الغيني مودي أمادو أوري أوضح أن ولادتها تعود إلى بدايات وصول الإسلام إلى منطقة “فوتا- جالون”، وتحديدا في نحو عام 1750”.

وفوتا جالون هي عبارة عن مرتفعات جبلية وعرة ذات غطاء نباتي كثيف تقع في غينيا كوناكري، وتعدّ أحد مواطن القبائل “الفولانية” وتوجد فيها أهم تجمّعاتهم السكانية رغم أنهم ينتشرون في عدد كبير من البلدان الإفريقية.

أخبار ذات صلة

Back to top button