لم يكن الإعلان عن (رؤية السعودية ٢٠٣٠) أول أمس الإثنين، مجرد دغدغة مشاعر أو كسب تعاطف أو محاولة ترضية، كما اعتدنا من كثير من الإعلانات التنموية للشعوب العربية.
لم يكن الإعلان السعودي كذلك لأنه لم يقدم أحلاماً وردية خالية من الرائحة، بل كانت رائحة الواقع تفوح من الأرقام والتفاصيل والشروحات التي عرضت بدقة ما تريد الرؤية أن تجعل عليه المملكة العربية السعودية بعد ١٥ عاماً من الآن.
تحدّث مهندس الرؤية الأمير محمد بن سلمان، في الحوار الخاص مع «العربية» وفي المؤتمر الصحافي المفتوح، بقدرة وإيجاز ووضوح بالغ عن خريطة الطريق إلى هذه الرؤية … اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
سُررت مثل كل السعوديين بالإعلان المتين والمتماسك للرؤية، لكني سُررت أكثر وانجذبت بالطبع إلى البنود الثقافية التي أكدت أننا مقبلون على مرحلة جديدة من الوعي بأهمية (القوة الناعمة) ودورها في كسب معارك دولية … سلاحها لا يقتل لكنه يميت!
تحدثت الرؤية عن هدف زيادة المواقع السعودية المسجلة في لائحة التراث العالمي في منظمة «اليونسكو» إلى ضِعف العدد الذي تمكنّا بحمد الله من تسجيله حتى الآن، وهو ٤ مواقع. وإذا كنا قد تمكنّا من تسجيل هذا الرقم خلال السنوات العشر الماضية، ما قبل الرؤية، فإني أكاد أجزم متفائلاً ومتطلعاً بأننا سنكون قادرين خلال الخمس عشرة سنة المقبلة على تسجيل ما هو أكثر من أربع مواقع أخرى، بل ربما إلى ثمانية مواقع إضافية، ما دام هذا الهدف قد أصبح جزءاً من رؤية الوطن على أعلى مستوياته. قد يتطلب هذا فقط بعض التعديلات الطفيفة في آلية العمل من أجل تسريعها مع ضمان جودتها.
المتحف العالمي عن الحضارة الإسلامية، الذي أشارت الرؤية ومهندسها إلى إنشائه خلال السنوات المقبلة، هو جزء من التدرّع بأسلحة القوة الناعمة، التي أصبح التنافس على «سباق التسلح» فيها بين الدول لا يقل بذلاً وحماسةً عن سباق التسلح العسكري.
حسناً، ما الذي علينا كسعوديين أن نصنعه تجاه هذه الرؤية الوطنية؟
من الطبيعي أن تكون ردود الفعل الأولية مفعمة بالثناء والتفاؤل أو بالتوجس والقلق، لكننا يجب أن نتجاوز هذه المشاعر بعد مضي الأيام الأولى، ونبدأ بالعمل كلٌّ في ما يخصه على تحقيق هذه الأهداف الارتكازية لوطنٍ يستبدل الإنسان بالنفط، والناس معادن!