في ظل الهدوء الحذر في العلاقات الروسية التركية، بعد تصعيد الوضع في أعقاب إسقاط أنقرة الطائرة الحربية الروسية العام الماضي على الحدود السورية التركية ومقتل قائدها، يبدو أن صراعًا آخر بدأ في الظهور بين الجانبين على خلفية معركة «قرة باغ» المنطقة التي تتنازع عليها أرمينيا وأذريبجان منذ ما يقارب العشرين عامًا.
وترتبط هذه المعركة جزئيًّا بالصراع الدائر بين الدولة العثمانية والإمبراطورية السوفيتية، حيث تدعم روسيا في الوقت الراهن حق أرمينيا في الدفاع عن مواطنيها الأرمن في إقليم قرة باغ، بينما تدعم أنقرة أذريبجان في استعادة السيطرة الكاملة على هذا الإقليم، الذي كان ضمن نفوذها في القرن الماضي قبل انفصال الإقليم عنها.
ووسط اتهامات متبادلة بين روسيا وتركيا بدعم كل منهما طرفًا من الصراع دون الآخر، يبدو أن هذه المعركة التي استمرت أعوامًا عديدة من المفاوضات قد تنتهي باشتعال حرب جديدة بين أرمينيا وأذربيجان على الإقليم المتنازع عليه، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الموقع منذ عام 1994، والتي أنهت حربًا دامت لمدة 7 سنوات أوقعت 30 ألف قتيل وأسفرت عن نزوح مئات آلاف الأشخاص غالبيتهم من الأذربيجانيين، وإلى سيطرة الأرمن على الإقليم.
تركيا وأذريبجان
وتوضح العلاقاة الوثيقة بين باكو وأنقرة أن الصراع القائم هو بذرة جديدة من الصدام بين بوتين وأردوغان، فالأخير تربطه علاقات قوية بحكومة أذريبجان، فتعتبر تركيا الشريك التقليدي لأذربيجان، وبطبيعة الحال تدعمها ضد أرمينيا، التي تشهد علاقاتها مع الأولى حالة غليان شديد، بسبب «مذابح الأرمن»، التي ارتكبت في ظل الدولة العثمانية عام 1915، وترفض أنقرة الاعتراف بها.
ومنذ بدأ هذا الصراع بين أرمينيا وأذربيحان تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم أذربيجان «حتى النهاية»، ونقلت الرئاسة التركية عن أردوغان قوله: «نصلي من أجل انتصار أشقائنا الأذربيجانيين في هذه المعارك بأقل خسائر ممكنة»، وهاجم أردوغان أيضًا مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تسعى منذ سنوات في ظل رئاسة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة إلى إيجاد حل للنزاع، لكن من دون جدوى، وقال: «لو اتخذت المجموعة إجراءات عادلة وحاسمة، لما كانت حصلت مثل هذه الأمور».
على جانب آخر، يتهم المسؤولون الأرمن الحكومة التركية بتأجيج الصراع مع الأذريين، فقد أصدرت وزارة الخارجية الأرمينية بيانًا رسميًّا، اتهمت فيه أنقرة بتحريض أذربيجان على القيام بأعمال عدائية ضد إقليم «قرة باغ»، الذي شهد اشتباكات خلال الأيام الماضية، تعد الأعنف منذ إعلان وقف إطلاق النار عام 1994.
وزار الرئيس الأذري، إلهام علييف تركيا، منتصف مارس الماضي، الأمر الذي اعتبرته وسائل أعلام الأرمينية بمثابة «المحفز» للرئيس الأذري، الذي أعاد نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، لذهنه شعار «الأمة الواحدة والدولتين»، واستعادة الأراضي المحتلة، ويأتي السبب الأول في دعم أنقرة لباكو، هو الموقف المعادي للأرمن والحرب الباردة بينهما، التي ترجع جذورها إلى عصر الدولة العثمانية، حيث يتهم الأرمن العثمانيون بارتكاب مجازر جماعية في حق شعبهم خلال عام 1915.
الدور الروسي في الصراع
رغم تأكيدات الجانب الروسي أن موسكو أحد الوسطاء الدوليين لحل الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان، فإن روسيا تتخذ دورًا داعمًا لأرمينيا ضد أذربيجان، حيث تمتلك قاعدة عسكرية وقوات هناك، فيما ينظر كثيرون على أن اشتعال الصراع في «إقليم قرة باغ» المتنازع عليه بين الجارتين، سيحول الساحة إلى حرب بالوكالة بين تركيا، الداعمة لأذربيجان وروسيا، الداعمة لأرمينيا، بالنظر للخلافات التي اندلعت مؤخرًا بين أنقرة وموسكو.
وفي ضوء ذلك أكدت صحيفة «ديلي بيست» الأمريكية أن المعارك بين أذربيجان وأرمينيا؛ بسبب إقليم ناغورنو قره باغ، المتنازع عليه بين البلدين، بدت أنها حرب بالوكالة بين موسكو وأنقرة، مضيفة أن هذه المعارك تزامنت مع توتر العلاقات، والرغبة في الانتقام بين كل من موسكو وأنقرة على خلفية الأزمة السورية.
وأشارت المجلة إلى أن روسيا تقدم دعمًا عسكريًّا لأرمينيا، لكنها في الوقت ذاته لا يمكن أن تعادي أذربيجان في الوقت الذي تمر منها خطوط أنابيب النفط، مؤكدة أن توسط موسكو لإنهاء المعارك قد يساعدها في مخططها لاستمالة أذربيجان بعيدًا عن تركيا.