رأت مجلة “فورن أفيرز” الأمريكية، أن ما جاء في كتاب “صدام حسين والإسلام” بشأن علاقة الرئيس العراقي الراحل بصناعة تنظيم داعش، ليس صحيحًا، مشيرة إلى أنه حارب الإسلاميين في كثير من المواقف.
وتطرقت المجلة إلى الاختلاف بين وجهتي النظر، في مقال نشرته مطلع العام الجاري، ويقول إن صدام حسين “لم يدعم الحركات الإسلامية”، فيما جاء الرأي الآخر في كتاب يرى أن “النظام البعثي عمل على إنتاج داعش بشكل غير مباشر”.
وقال الكاتب أماتيز بارام في كتابه: “حتى لو أن المقال السابق فسّر ما قيل داخل الحزب نفسه بدقة، فقد أساء فهم الوجه العام لمعتقدات النظام، أو ما تم تقديمه كمعتقد خاص بهم، وهو دليل حاسم يثبت جهود صدام للأسلمة بين 1993 و2003″.
وتقول المجلة إن “الطبيعة المنغلقة لنظام صدام كانت تعني بأنه بدون الوصول إلى ملايين الصفحات لسجلات النظام الداخلية المتوفرة في أرشيف معهد هوفر، فإن الباحثين خارج العراق لديهم صورة غير مكتملة عما أبرزه النظام كمعتقدات لشعبه. وهذا الأرشيف يوفر توثيقًا مفصلًا ليس فقط للنقاشات الداخلية والبراهين، لكن أيضًا لسياسات صدام الفعلية وكيفية تقديمها للعامة”.
وترى المجلة أن “عدم رجوع مؤلف الكتاب إلى لإرشيف معهد هوفر، قاده لادعاءات فيها الكثير من الأخطاء حول صدام، ونظام البعث ونشأة داعش”.
واستمرت المجلة بالكشف عن مصادر معلوماتها في سبيل دحض وجهة نظر الكاتب، حيث أشارت إلى أنها أجرت بحثًا واسعًا باستخدام مصادر غير أرشيفية وملفات متوفرة في مركز أبحاث سجلات النزاعات، والتي كانت موجودة سابقًا في جامعة الدفاع الوطني، عن مواضيع مثل الحرب الإيرانية – العراقية، والمواجهات العراقية مع الولايات المتحدة، ومفاهيم صدام عن الولايات المتحدة، ودعم النظام للإرهاب”.
وتشير إلى أنها “تعاملت بحذر مع مصادر مثل الصحافة العربية، وكتب التاريخ، لاعتبارها إشكالية عند تقييمها بمعزل عن وثائق حزب البعث الداخلية. وذلك بسبب أن نظام صدام كان معروفًا بالسرية، مما يجعل من الصعوبة فك رموزه بمجرد النظر للوثائق العامة”.
وتضيف أنه “بعد العمل بشكل معمق في سجلات البعث في معهد هوفر، وجد الكاتبان أنها توفر صورة أوضح بكثير عن موقف النظام من الإسلامية. فهي تحتوي على الأسرار الدقيقة، والاجتماعات رفيعة المستوى التي تم بها رسم سياسات النظام”.
وتلفت إلى أنه “في آواخر التسعينات، طلب صدام من البعثيين أن يلتحقوا بمساقات دراسية حول الإسلام تركز على روح الإسلام بدلًا من الشريعة الإسلامية، فهي تصور الإسلام على أنه دين عربي انتشر بواسطة نبي عربي للأمة العربية كجزء من نهضة وطنية ثورية عوضاً عن أن الاسلام دين عالمي يطالب بإقامة الخلافة”.
وتوضح أن “تلك المساقات تضمنت أيضًا الخطاب الذي ألقاه صدام حسين عام 1977، والذي يدّعي بارام أنه “جاء قبل انقلاب صدام من علماني نضالي إلى إسلامي”.
ووبينت المجلة أن “نظام البعث كلف كبار المسؤولين بتلقي دروس في القرآن وتم تقديمها لأغلبية الشعب أيضاً. وتقدم التقارير البعثية حول تلك الدروس دليلاً بسيطاً حول أولويات الحزب، فبدلاً من التركيز على النص الديني، راقبت مستوى المديح الذي يتلقاه صدام والعراق في تلك الدروس ومقدار تركيزها على مبدأ الوطنية وشرحها لتحديات مواجهة الاستعمار والامبريالية الصهيوأمريكية. وهذه الأفكار ليست أفكاراً إسلامية”.
وتعارض عشرات السجلات في إرشيف جامعة هوفر، أطروحة بارام التابعة لكتابه والتي تقضي بأن النظام قام بـ “انقلاب في الهوية” بين مطلع ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، منتقلاً من العلمانية النضالية أو النظرة “الإلحادية ” نحو النظرة “الإسلامية”.
لكن الأرشيف يوضح أن صدام ونظامه “استمرا في تقديم ذات التفسير للإسلام طيلة فترة حكم صدام الممتدة من 1979–2003. ولم يكن صدام يوماً بالعلماني النضالي كما صور ولا بالإسلامي بعد ذلك. ومن الصعب أن تعلم ما كان في قلب صدام، ولكن من المرجح أنه كما كل البشر لجأ للجانب الروحي أثناء الأزمات، وخاصة أثناء حروبه في 1991 و2003. لكن لم تدل مظاهر صدام الشخصية أو تصرفاته الرسمية على تحول عميق في النظام أو في نظرته إلى الإسلام”.
وتقول المجلة إن “صدام أيضًا اعتمد على الإسلام والشريعة الإسلامية كمرجعية خلال فترة رئاسته، لكن هذه المرجعيات للإسلام تختلف عن الإسلامية حيث أن الإسلاميين يحاولون تصميم أيديولوجية سياسية ودولة حول التشريعات الإسلامية. والبعثيون لم يفعلوا ذلك أبدًا، ومن الصعب إيجاد شواهد على تطبيق الشريعة الإسلامية في أرشيف النظام”.
وتشير إلى أن صدام “تعهد بمحاربة الإسلاميين إذا امتلكوا القوة. حيث قال من ناحية أخرى، سنطلق عليهم هجوماً كبيراً إذا اقتربوا من امتلاك القوة. والاختبار الحقيقي لهذه السياسة جاء بعد انقلاب 30 حزيران 1989 في السودان بقيادة عمر البشير وحسن الترابي، والتي أعلنت حكماً إسلاميا. وكما بينت السجلات، النظام العراقي دعم حزب البعث السوداني، عندما أطلق انقلاباً فاشلاً ضد نظام البشير- الترابي عام 1990. استمر العراقيون بدعم البعث السوداني حتى عام 2003، مما عقّد من جانب آخر علاقات الصداقة الثنائية بين البلدين”.