“عمو صالح “اللقب المقترن بأسم صالح مرسي والذي كان يردده الكثيرون بدون أرادة منهم بمجرد الجلوس معه فالكريزما الخاصة به تمنحك صك الدخول الى عالمه بحميمية صلة الدم …ولكننى كنت صاحبة الصك الاغلى المحفور فى القلب بكل اللحظات التى عشتها معه… أنا ..بكل فخر أبنة الاحاسيس الصادقة.. الخالصةلله ..و المحبة التى تمنحك صلة النسب ؛فأصبحت الابنة الثالثة فى حياته مع أمل وأحمد…سطورى القادمة فى ذكرى ميلاده الابدى فى عمره المديد الذى يبدأ بيوم رحيله فالمبدعين يعيشون بين سطور ماكتبوا ؛والمحبون يعيشون فى القلوب ؛وعمو صالح عانق الروح عناقا أبديا يشعر بحلاوة مذاقه المتحابون فى ملكوته؛ فبداخل “صالح مرسى “متصوف عارف بالله” ومن عرف صالح مرسى حق المعرفة مازال يثتأنس بذكرياته….””
كنت اراه وكأنه ذاهب الى ميعاد غرامى ؛يرتدى ملابسه كاملة يضع برفانه المفضل ؛يرتدى حذائه شديد اللمعان ….يخطو بخطوات العاشق المتلهف للقاء المحبوبة ؛بمجرد دخوله الى مكتبه ذو الحوائط البيضاء تنساب الموسيقى الكلاسيك بين ربوعها وهذا أعلان لكل من فى المنزل أن القيصر دخل قصره ؛فلا شئ يفعلوه سوى الصمت ؛ والفنجان الاول من القهوة المغلية …الاوراق البيضاء على مكتبه مشتاقة الى أحتضان قطرات الحبرالخارجة من قلمه ؛مشكلة لوحة من الكلمات فى أحدى منظومته الابداعية …الخط منمق للغاية (من أجمل الخطوط التى رأيتها فى حياتى ) …أحبه عندما يكتب عن البحر أراه كالنورس محلقا فوق سفينته ؛وربما كان هذا هو السبب فى أن أخر أعماله التى لم تكتمل رواية (النورس) فهو من أهم المبدعين فى أدب البحر؛ يفوق كثيرا (حنا مينا) لكونه يرمى أفكاره فى خضم بحر الابداع بشبكة المتصوف ؛فتصطاد اللؤلؤ والمرجان …الابحارفى سرداب الذكريات مع صالح مرسى أحتاج فيه الى مجدفين أحدهما يعزف على قيثارة الانسانية الفريدة له ؛والاخر حالة التوحد مع كل ماكتب ؛فالكثيريين لايعريفون أن بطل الكداب هو صالح مرسى نفسه العائش تك التجربة بكل ماتحتوايه من أفكار وابعاد فلسفية وعلى جدار مكتبه هناك لوحة له عندما عمل جرسون فى القهوة بريشة الفنان المبدع “أيهاب شاكر”… .صالح مرسى كان يعيش داخل روايته وكأنه أحد أبطالها عندما أشاهد رأفت الهجان أراه أمامى فى طريقة تدخينه ؛أمساكه بالسيجارة بينما أفكاره تلاحق دخنها وذهنه شارد هناك ؛الطريف أن معظم الكرفتات التى أرتداها “محمود عبد العزيز” فى المسلسل خرجت من دولاب صالح مرسى لانه أراد أن تكون مطابقة لموضة تلك السنوات ؛صالح مرسى كان يحب “رفعت الجمال” كثيرا لاأعرف من منهما تخلل داخل مسام الاخر ؛عندما حصل من المخابرات على عملية “رفعت الجمال التى تحكى الخطوط العريضة لبطولته ؛أول جملة قالها لرفيقة عمره “وجيهة فاضل “:(أحنا مش رجالة …الرجولة موجودة مع الناس دول هما الابطال الحقيقيين) …الاعداد لكتابة القصة أستغرق الكثيرمن الوقت فى جمع كل المعلومات والبحث عن أدق التفاصيل .ومن المعروف أنه يملك مكتبة كبيرة من الكتب الخاصة بعالم المخابرات ؛بعد نشر القصة تعرض صالح مرسى للعديد من الضغوط الصهيونية وتكذيب الموساد والصحف الاسرائيلية لما كتبه ؛بل الامر تعدى ذلك بأرسال صحفيين من جنسيات مختلفة ؛ولكنه كان يعلم أنهم تابعين للموساد !….بعد نشر القصة كان من المفروض قيام عادل أمام ببطولة المسلسل ولكنه كان رافض لاستخدام أسلوب الفلاش باك ولكن صالح مرسى أصر على رؤيته ليذهب المسلسل الى محمود عبد العزيز ليصبح علامة فارقة فى حياته ؛صالح مرسى كان رافضا لنشر الاسم الحقيقى لرأفت الهجان ؛كان يريد المحافظة على تلك الهالة له داخل القلوب ؛وعندما جاء أبن رفعت الجمال “دانيال “الى القاهرة رفضت المخابرات المصرية أعطائه الجنسية ؛وعندما سألت صالح مرسى عن سبب الرفض كانت الاجابة مقتضبة :(أكيد لدواعى أمنية وهم يعلمون صالح البلد)…أكثر الشخصيات التى رافقت صالح مرسى عند كتابة المسلسل كانت “عزيز الجبالى” ومن خلاله تعرف على أدق تفاصيل بطولة رفعت الجمال ؛الذى كان له مكانة فى قلبه أكثر من “جمعة الشوان ” أو “أحمد الهوان ” بعد أعلان المخابرات أسمه الحقيقة ؛صالح مرسى كان يرى بطولة “الشوان”تكمن فى أنه ذهب الى أسرائيل ووضع روحه على كفه للحصول على أحدث أجهزة التجسس الاسرائيلية التى ساعدت المخابرات المصرية فى العديد من الملفات بعد ذلك …و عملية الحفار كان “صالح مرسى” يفضل أن تحول القصة الى فيلم ؛وعند الاصرار على أن يكون مسلسل أعتذر عن كتابة السيناريو وأثبتت الايام أن رؤيته كانت ثاقبة ؛وبطلة العملية لم تكن نبيلة عبيد وصفاء أبو السعود عندما تداول الاعلام تلك الاسماء عند أذاعة المسلسل ولكنه ذكر أسمها الحقيقى ضمن شخصيات الكتاب وهو مختلف تماما عن أسمها الفنى ؛وأعتقد أن السبب أنها كانت مازالت تلعب دور فى عمليات أخرى !…أما سامية فهمى والتى كانت لها مكانة خاصة فى حياته مما جعله يرفض العديد من العروض المغرية من معظم نجمات السينما للقيام بالدور.وهى أيضا ليست “ليلى عبد السلام “التى خرجت علينا معلنة أنها البطلة الحقيقية للمسلسل ؛و ما يؤكد حدثى أن المخابرات المصرية لم تعلن الاسم كما حدث من قبل مع “الجمال”والهوان ” و”هبة سليم “أو عبلة (فى الصعود للهاوية )..ولكن أكتفت المخابرات بعدم التعليق كما حدث مع بطلة الحفار …وفى الحقيقة أن هبة سليم كانت حالة غريبة من العمالة وتدخلت جولدمائير رئيسة الوزراء حينذاك للافراج عنها وهى التي وصفتها بأنها “قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل”؛ولكن السادات أعطى الاوامر بتنفيذ الحكم بمراوغة سادتية ؛ رغم محاولات كيسنجر لتخفيف الحكم عليها. . وتكمن خطورة “هبة سليم “فى أنها أستطاعت تجنيد خطيبها المقدم فاروق عبدالحميد الفقي ؛الذى أعطى لها معلومات دقيقة عن نوعية الاسلحة التى جاءت الى مصر من روسيا …وبعيدا عن عالم الابداع كان صالح مرسى شخص أستثنائى بكل ما تحمل الكلمة ؛فالحاج صالح مرسى كان أبا مختلفا ليس لأولاده فقط ولكن لكل من كان يعرفه ؛الجميع كانوا يتعاملوا معه على أنه كرسى الاعتراف الذى نبوح أمامه بكل أحزاننا ومشاكلنا فيتحول فى لحظات الى طبيب نفسى قادر على تغيير وتبديل أحزانك أفراح ومشاكلك الى أنجازات ؛وعندم كان يدخل الى غرفته لقراءة القرآن أو أداء الصلاة ينفصل تماما عن جميع المحيطين به ويتحول الى عابد فى المحراب …كان ناصريا ومؤمنا بكل مافعله الزعيم .ربطته صدقات عديدة بالعديد من المبدعين ولكن كانت لتحية كاريوكا وليلى مراد معزة خاصة جدا فى قلبه وحياته لانه كان يعرف حقيقتهما الانسانية ولذلك كتب قصتهما . حاول مرة أقناع ليلى مراد بالظهور للجمهور ولكنها قالت له أن أحب أحتفاظ الناس بصورتى كما هى فى مخيلتهم . ورحلت والى جوارها المصحف وكانت فى طريقها الى ختمه كما أعتادت فى سنوات عمرها الاخيرة مثل تحية كاريوكا .صالح مرسى كانت له عادة فى شهر رمضان من كل عام بدعوة كل من خدمه فى حياته على الافطار وكان يقوم هو بخدمتهم بنفسه كما يفعلون معه؛ وفى هذا اليوم كانت السعادة التى تراها على وجوههم وهو يخدمهم وينفذ طلبتهم تعرفك من هو صالح مرسى الانسان …وهو نفس العمل الذى ختم به حياته مع العمال والجنينية فى القرية السياحية التى مات بها …..فى أخر مرة رأيته فيها قبل وفاته قبل سفره بأيام كان الدكاترة قد منعوه من التدخين تماما ؛ولكنه أشعل البايب وعند ما أعترضت ؛ ضحك ضكته الشهيرة قائلا: لن أموت بسبب صدرى كما يخشى الدكاترة ولكن سأحدث مفاجأة ؛وصدق كما تعودت منه دائما ورحل بعد أيام بأنفجار فى المخ وهو ممسك بيد رفيقة العمر”جوجو” كما كان يحب أن يناديها ….رحل قبل أن أعرف منه ؛هل هذا الاسم هو سبب تسمية حبيبة الشوان بنفس الاسم؟ ..و لم يكن هذا هو السؤال الوحيد ؛ ولكن هناك ملايين الاسئلة أحيانا أجد أجاباتها بين سطور ماكتب أو عندما أنظر الى صورته وعيناه الضاكة فأشتم رائحته واسمع صوته ….”عمو صالح”…آه كم أحبك
38 5 minutes read