يتحدث عن الهيمنة السعودية على مصر، مستشهداً بقضية الجزيرتين السعوديتين، طارحاً أن مظاهر الهيمنة تجلت في زيارة الملك سلمان الأخيرة للقاهرة، «وبيع السيسي لجزيرتي صنافر وتيران تحت مزاعم ترسيم الحدود».
وبالتأكيد لا نحتاج إلى كثير من الذكاء لإثبات تناغم ما ذهب إليه التقرير مع الحملة التي تشنها أطراف مصرية واخرى إقليمية للتشكيك بهوية الجزيرتين. لكن المفارقة التي تصيب بالدهشة هي أن الوكالة ذاتها نشرت في 11 حزيران (يونيو) 2015 تقريراً يتحدث عن سعودية الجزيرتين، وأنهما محتلتان من العدو الإسرائيلي، ويورد التقرير نصاً: «تقع جزيرتا تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة في موقع استراتيجي مهم يمنح المحتل السيطرة الكاملة عليه، وتصر السعودية على جعل القضية طيّ الكتمان منذ احتلالهما عام 1967».. انتهى.
لم أستغرب التناقض الإيراني، فلطالما أشرنا له حتى أصبح واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، لكن المهم والأهم هنا أن على طهران إعادة حساباتها، والعودة إلى رشدها، فتقزيمها كدولة جاء نتاجاً طبيعياً للكذب والتضليل والتدليس الذي تمارسه، ما جعل منها دولة هامشية لا وزن لها في عالم يموج بالمتغيرات، ولا أدل على ذلك مما واجهته من انتقادات في مؤتمر القمة الإسلامي، فلنا أن نتخيل دولة تدعي الإسلام، وتؤكد حرصها على العالم الإسلامي، وتقدم نفسها على أنها حمامة سلام في المنطقة، وتمثل دور الضحية، وأنها نصيرة المظلومين، وفجأة تتهاوى جميع تلك الادعاءات وتسقط في أكبر محفل إسلامي، فمن بين 56 دولة شاركت في القمة الإسلامية في إسطنبول، بما فيها إيران، دانت بالإجماع التدخلات الإيرانية واعتداءاتها وسياساتها.
لا شك في أن إيران لم تكن تتوقع ذلك، ولم تكن لتذهب لمحفل هي تدعي أنها أهم دوله، لتحصد الإدانة، وتتكسر الصورة التي تسعى لرسمها، بل وتجد أبرز أتباعها وأكبرهم «حزب الله» بات مكشوفاً أيضاً ومشهراً به ومنبوذاً.
الأكيد أن ما نشهده اليوم من تعاضد إسلامي واضح حول السعودية يعد من نتائج عودة الروح العربية، ولا أجامل إن قلت إنه ما كان لهذه الروح أن تظهر وأن تعود بهذه القوة لو استمرت السعودية في سياساتها الهادئة السابقة.
فالرياض اليوم مثلما كانت بالأمس، لا تمارس الكذب والتضليل لتصل إلى العالم الإسلامي، ولا تعد أجندة للهيمنة أو السيطرة عليه، ولم تدعِ معاداة الغرب، وتنقلب للاستقواء به مثلما تفعل إيران، بل حملت على كاهلها هموم العالمين الإسلامي والعربي، لذلك تسابق العالم لتقليدها أوسمة القيادة لثقته بسمو أهدافها، وبعد أن ثبت حرصها على أمن واستقرار الدول الإسلامية والعربية من دون المساس بسيادتها، أما إيران المعزولة إقليمياً ودولياً لأهدافها وتدخلاتها وسياساتها الطائشة، فتعزل اليوم عربياً وإسلامياً للسبب نفسه، لتواصل حصد الإدانات، واحدة تلو الأخرى، مثلما حدث في القمة الإسلامية.
أما في ما يخص مصر، والأزمة المفتعلة حول الجزيرتين، فأنا هنا لست في صدد الحديث عن هويتهما، فهناك وثائق تؤكد سعوديتهما سبقني زملاء لاستعراضها، بخلاف ذلك وهو الأهم أن تلك الوثائق ستُعرض على مجلس النواب المصري، ولا أعتقد أنه سيصوّت عليها «من باب الفهلوة»، بل بحسب ما يُقدم له من وثائق، وبالتالي فإن افتعال أزمة من لا أزمة هو أزمة بحد ذاته، وهذه الأزمة يسعى لها من يريد الإساءة للبلدين، سواء إخوان مسلمين، أم تيارات وجدت نفسها خارج المنظومة، أم أشخاصاً يعيشون على أنقاض الماضي، منهم من احتل المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية المصرية، بينما لا يوجد سوى مرشحين اثنين فقط! ولا استغرب ذلك فهم إن أيدوا فبذلك يؤيدون الرئيس عبدالفتاح السيسي وهذا ما لا يريدونه ما جعلهم في مأزق كبير.
بعيداً عن تلك الفقاعات، فإن التلاحم الشعبي وسعي قيادة البلدين للذهاب بالعلاقات إلى درجة المصير المشترك، بالتأكيد لا يسر الكثيرين ممن سعوا وما زالوا لتشويه نتائج زيارة خادم الحرمين إلى مصر، لكن إرادة البلدين أكبر منهم جميعاً، فمن جهة تأمل مصر التي تواجه صعوبات اقتصادية وأمنية أن تتخطى تلك الأزمة لإعادة الاستقرار للداخل، ومن ثم الانتقال إلى ممارسة دورها الإقليمي، في مقابل ذلك تدعم القيادة السعودية هذا التوجه وتستثمر به، ليتماشى مع تصورها الإقليمي الذي يزداد تبلوراً يوماً بعد يوم لأجل إعادة تأهيل مصر لممارسة دور إقليمي وعربي في أمس الحاجة له.
الأكيد أن استقرار مصر من الناحيتين السياسية والداخلية سيدعم المشروع السعودي، ويحركه إلى الأمام، فالسعودية مهما بلغت من القوة والإمكانات بحاجة لمصر لسد الفراغ الإقليمي مع التحولات التي تشهدها المنطقة، وما يجعل مصر ومن خلفها العالم الإسلامي تسير في المشروع السعودي اليوم هو اقتناعها بأهدافه التي تتلخص في إعادة توحيد كلمة الأمة الإسلامية، ومحاربة الإرهاب الذي اتهمت به، وإضفاء الاستقرار والرخاء على دول تلك الأمة.
السعودية اليوم تسير بثقة وثبات ووضوح لإيمانها برسالتها، لذلك لن يعنيها كثيراً محاولات النيل منها، ولا المؤامرات التي تحاك ضدها، وهي تعي أيضاً أن المقبل من الأيام للعالم الإسلامي سيكون أفضل على أكثر من صعيد، فمصر وتركيا على سبيل المثال لا بد أن يتصالحا في النهاية، فهما في حاجة لبعضهما البعض، حتى وإن لم تبدِ تركيا المرونة اللازمة لحل الأزمة، وعلى الجانب الآخر ستجد أنقرة أنها فرضت على نفسها معادلة صعبة لا حل لها بالسعي للاحتفاظ بعلاقة جيدة مع إيران والسعودية في وقت واحد، وستكتشف ذلك سريعاً، كما أن موضوع الإخوان وسعيهم لضرب أية علاقة إيجابية لمصر لن يزيدهم إلا عزلة وإقصاء، فهم حالياً ليسوا من أولويات المنطقة، وباتوا من الماضي، طالما أنهم غير مستعدين للمراجعة، أما بالنسبة لإيران، فباتت نواياها مكشوفة للجميع، فهي ذراع الخراب الرئيسة في المنطقة، ومن سعى لتفتيتها بمشروع طائفي ارتد عليها بقوة، حتى أسقط عمامتها.