أصبح الكذب أحد “الفنون”، التي يُبدع فيها كثير من الناس، “سياسيين ومسؤولين، صحافيين وإعلاميين، علماء ومثقفين”.. من كافة الشرائح والطبقات، حتى أنه أصبح واحدًا من “التقاليد الشعبية” المعاصرة!
ربما ارتبط الكذب مع بداية شهر أبريل من كل عام، لكنه أصبح “حالة” اعتاد كثيرون عليها، حتى باتت “ظاهرة” تحدث كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة، ما جعل إتقانها يتطور عند البعض لتكون أمرًا مستساغًا ومقبولًا!
لقد أصبح “الكذب” ظاهرة اجتماعية خطيرة، انتشرت ـ بكل أسف ـ على نطاق واسع بين شرائح لا يُستهان بها بين الناس في علاقاتهم ومعاملاتهم، ما جعلها سببًا رئيسًا لضعف النفس وحقارة الشأن والنفاق وقلة التقوى.
لم يعد الكذب أمرًا مستهجنًا أو مرفوضًا، أو خصلة ذميمة أو حتى محرمة، بل صار “قناعة” و”يقينًا” يتجاوز آثار إعمال العقل، رغم أن “الكذب” هو “الكذب”.. كله “سوء” و”إثمه” أكبر من نفعه، ولا يوجد له مبرر أو منطق!
لعل أشدَّ أنواع الكذب ضررًا، ما قد يُطلق عليه “الكذب السياسي” أو “سياسة الكذب” على الشعوب، والتي صارت مدرسة فريدة لها أساتذتها ومناهجها وروّادها وخريجوها وعباقرتها وأغبياؤها “وهم كثر”!
إننا نعيش واقعًا أليمًا، ارتفعت فيه معدَّلات الكذب، من مسؤولين، ونخب سياسية وثقافية وإعلامية ودينية، تحت غطاءٍ من الأكاذيب الكبيرة التي يروِّجونها.. ولم ينقطع حبل الكذب، إنتاجًا أو استهلاكًا، ليستمر الخداع والتدليس، منهاجًا وعقيدة حاكمة!
ربما أصبح “الكذب” بضاعة رائجة، تحيط بنا من كل اتجاه، حتى أن كثيرًا من الناس أدمنته وصار شيئًا مألوفًا، وباتت على موعد يومي مع الكذب بشتى أنواعه، ليصبح اللغة الرسمية والخطاب المتبادل والعُرف السائد فيما بينهم، مما يجعلنا نتساءل بصدق: هل أصبح منطق الكذب وقلب الحقائق وظيفة ينبغي اتقانها؟
ما يؤسف له، أن الإنسان قد يتآمر على نفسه، من خلال فن صناعة الكذب، ليوقف خلايا عقله عن التفكير، فيما هو واضح أنه كذب بيِّن، ويتماهى في تصديق كل ما حوله، رغم شعوره الداخلي الرافض بصمت لكل ما يحدث، وهنا لا يكون الشخص ضحية، بقدر ما يكون صانعًا أو مشاركًا في ترويج أو إشاعة الكذب.
عندما نتأمل الواقع، لن نجد شيئًا يستطيع أن يصمد أمام أي برهان بسيط لكل صاحب عقل، لأن الكذب أوصلنا لانتشار ثقافة التبرير، والتي تعد مؤشرًا سلبيًا لانحدار منظومة القيم والأخلاق وسقوطها في قاع الهاوية.
لقد أصبحنا نعيش أجواء ضبابية، يصعب على الإنسان أن يعثر فيها على “صادق”، وإن وجده صدفة، عُومل بحذر، لكثرة الكاذبين على اختلاف أنواعهم، وخاصة تلك الشريحة من النخب، لكثرة التلوّنات والتحوّلات، والتمترس خلف قناعات كاذبة ومبررات واهية.
ربما وصلنا إلى حالة بائسة، تجعل الكاذب يصدق كذبه، متماديًا في تضليله، والمخدوع يعيش في غيبوبة، مستمتعًا ومبررًا ما يراه أو يسمعه، لأنه بالتأكيد ليس لديه ما يخسره، كما أننا قد نجد بعض الناس متعطشون للكذب، تواقون لتصديقه، بل يعتبرونه نوعًا من الذكاء الاجتماعي، فيتخذون الكذب منهجية للتكسب والارتزاق وكسب مواقف بعينها، رغم علمهم المسبق أن “حبل الكذب قصير”!