ما أيسر الكتابة عن الماضي وخصوصاً البعيد، لأنك حين تفعل ذلك فلن يتهمك شخص ما بالتزلف ولا بالنفاق من ناحية، ولن يثور عليك القراء لأنهم فهموا أنك تهاجم فكرة يعتنقوها أو شخصا يحبونه. المؤرخون يعيشون في سلام إلا في حالات نادرة، على عكس الكاتب الذي يحاول تجسيد فكرة تدور في الوقت الحالي، خصوصاً في عصر الاستقطاب الذي نعيشه اليوم.
ومع الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر ولقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتأرجح المشاعر في شكل غير مسبوق، وأُعدت الاتهامات مسبقاً من أطراف عدة، ولذا فعلى الكاتب أن يتوكل على الله ويضع على الورق ما يجيش في صدره من مشاعر وما يدور في عقله من أفكار. إنها بحق زيارة تاريخية التي بدأها الملك سلمان لأسباب لا تخفى عن الجميع، فلا أحتاج إلى تكرار الكلمات المعتادة عن وحدة مصير الشعبين المصري والسعودي وسائر الشعوب العربية والإسلامية. لن أصدعكم بما تقرأونه في سائر الصحف وشتى المواقع التي تعشق تعريف المعرف.
ما هو الهدف الأول والأهم بالنسبة إلى خادم الحرمين الذي يسعى لتحقيقه خلال فترة توليه مقاليد الحكم؟ بالتأكيد هدفه هو المواطن السعودي وأمنه ومعيشته وخيره. لا أقول ان هذا هو الهدف الوحيد، ولكنني أقول أن هذا هو الهدف الأول. وماذا عن الرئيس المصري وهدفه الأسمى الذي يسعى أيضاً إلى تحقيقه؟ بالتأكيد هي الأهداف نفسها التي يسعى إليها الملك سلمان، ولكن للشعب المصري. وعلى رغم التباين في الحال الاقتصادية بين البلدين، تظل المهمة صعبة، فالتطلعات كبيرة والمشكلات تتصاعد حالياً بحيث يصبح هذا الهدف صعب المنال أكثر من أي وقت مضى.
وهنا يتلاقى الهدفان.. مصلحة المواطن السعودي ومصلحة المواطن المصري، على رغم كل ما يقال عن أسلوب تعامل كل طرف مع الآخر، لأنه لو صح ما يقولون ما رأينا الزيارة أو على الأقل ما كانت دامت سوى ساعات قليلة لو كانت لأغراض بروتوكولية أو لمجرد تنسيق مواقف إقليمية. ولكن الزيارة دامت أياماً للدخول في عمق ما يحقق مصالح مواطني الدولتين كي يحيوا الحياة الكريمة الآمنة التي يبتغيها الزعيمان. ولم يتبين لهما اليوم فقط أن المصالح متشابكة لدرجة عادية، ولكنهما يعرفان هذا الأمر طوال الوقت، ويؤمنان بالمثل الذي يقول “ما حك جلدك مثل ظفرك” من دون تفرقة ما إذا كان الظفر مصري أم سعودي أو إذا كان الجلد سعودي أم مصري.
هذه القمة لا تنعقد للعدوان على أي طرف خارجي، لأن الزعيمين لا يعنيهما إلا أمن وسلام شعبيهما وباقي الشعوب العربية – في الخليج العربي وخارجه – ، ولا يسعيان إلا لوقف نزيف الدماء في هذه المنطقة التي طال زمن النزيف بها. القمة لا تهدف إلى المناورة أو تحقيق مكاسب على حساب شعوب أخرى، ولا تسعى إلى الحصول على مكاسب بعيدة من استعادة الحقوق وبناء الدول وجسور الإنسانية بين شعوب العالم على عكس قوى أخرى لا يهمها إلا تحقيق عكس ذلك.
نحن أمام لحظة يتلاقى فيها دعاة السلام والبناء لمواجهة دعاة الخراب والهدم، وما أكثرهم اليوم، كي تعود اللحمة إلى ما كانت عليه مهما حاول نفر من هنا أو هناك التأثير عليها لأسباب مفضوحة. ولا يسعنا كمواطني البلدين الا أن نجل هذه الخطوة ونترقب بكل أمل نتائج تأتي بالخير للشعبين وشعوب المنطقة التي يسعى حكامها لتحقيق الأهداف نفسها. ولا يسعنا الا أن ندعو الله من أجل الإنسانية جمعاء أن تفيق الشعوب الأخرى لم يحاول القائمون عليها فعله لأنهم ليسوا دعاة سلام كالزعيمين الذين يلتقيان اليوم على أرض الكنانة.