أكدت مصادر خليجية أن التحرك السعودي النشط الذي شهدته المنطقة في الأيام القليلة الماضية والذي شمل زيارة العاهل السعودي لكل من مصر وتركيا، وزيارات لولي ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان لكل من الأردن ودولة الإمارات، هو تتويج لمساع، بدأتها الرياض منذ ما يزيد على العام، لاستعادة النظام العربي، وتوفير آليات عمل جديدة له تتناسب مع التحديات التي تشهدها المنطقة.
ورأت المصادر أن الاتفاقيات الثنائية التي أخذت حيزا مهما في زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، تعكس التكامل بين الأمن والاستقرار الوطني لدول المنطقة، والأمن والاستقرار الإقليمي ككل، خاصة وأن حالة الانفلات الأمني في بعض دول المنطقة، أدت إلى استقواء بعض القوى الإقليمية.
قوة ذاتية
بناء قوة ذاتية عمادها الدول العربية التي لها تماس مباشر مع أزمات المنطقة، أو تلك التي تواجه تحديات أمنية بسببها، وشملت هذه الدول بالإضافة للسعودية كلا من دولة الإمارات وبعض الدول العربية الخليجية بالإضافة إلى مصر والأردن والمغرب عند الإقتضاء. على أن يتم استقطاب تأييد الدول الإسلامية، ودول الجوار العربي لهذا المسعى، وتأمين مظلة دولية لأي عمل أو نشاط تقوم به هذه القوة، كتشكيل يعمل ضمن معايير القانون الدولي والأسس المقبولة في التعامل بين الدول.
وبحسب المصادر فإن التجربة العملية لهذا المسعى ظهرت بوضوح في عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية وشاركت فيها على وجه الخصوص وحدات قتالية من دولة الإمارات والسودان فضلا عن قوات جوية من عدد من الدول العربية.
وأوضحت المصادر أن القوة الذاتية العربية ليست صيغة عمل مؤقتة بل هي آلية عمل دائمة، وهو ما أكدته المملكة ودول عربية أخرى بإبدائها الاستعداد للتدخل بريا في سوريا لمكافحة الإرهاب، لتصل بالفعل بعد ذلك وحدات جوية وقوات خاصة ميدانية إلى تركيا لهذا الغرض، كما أكدت ذلك خطط التنسيق والتدريب المشترك والتي كانت أول إرهاصاتها مناورات رعد الشمال التي استقطبت قوات من عدد كبير من الدول العربية والإسلامية .
القنابل الموقوتة
أما العنصر الثاني في المسعى السعودي فهو حسب المصادر التعاطي مع المشكلات الأمنية والاقتصادية التي تواجه بعض الدول العربية من منظور أنها قنابل موقوته يمكن أن تنفجر في وجه العمل الإقليمي وتعيق تقدمه باتجاه استعادة فعالية النظام العربي من جديد.
وحسب المصادر فإن السخاء الذي تبديه الدول العربية النفطية وفي مقدمتها السعودية ودولة الإمارات، يؤكد أن المعونات العربية التي تقدمها هذه الدول ليست تعبيرا عن علاقة ثنائية بل جزء من مسؤوليات إقليمية تستشعر تلك الدول تأثيرها على أمنها الوطني.
ورأت المصادر المطلعة أن الاهتمام الذي أبدته السعودية لتنمية شبة جزيرة سيناء والتي تعد جغرافيا عمقا أمنيا للسعودية خاصة بعد انتشار خلايا إرهابية فيها، دليل على مدى الترابط بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن الإقليمي.
الإرهاب
أما العنصر الثالث فهو التعامل مع قضية الإرهاب تعاملا ينسجم مع طبيعة التحديات التي تواجهها المنطقة، وضمن معايير غير انتقائية، وعلى أسس لا تجعل من الإرهاب مظلة للتدخل الأجنبي في شؤون الدول العربية أو سببا لإشاعة النزعة الطائفية، أو مدخلا لتشويه الموروث الثقافي والاجتماعي في بعض الدول العربية.
وفي هذا المجال قالت المصادر إن توجه الدول العربية إلى اعتبار حزب الله مليشيا إرهابية، ورفض الذرائع التي تتذرع بها إيران لتشريع تدخلها في المنطقة، هو جزء من استراتيجية بناء نظام عربي متماسك و قادر على سد كل الثغرات التي تمنع قيامه أو تسمح بتهديده.
مقاربة جديدة للأوضاع الداخليةوحسب المصادر فإن التحرك السعودي يستهدف أيضا الوصول إلى مقاربة جديدة للتعامل مع بعض القوى السياسية التي أفرزتها مرحلة ما يعرف بالربيع العربي والتي أدت لظهور وبروز قوى سياسية جديدة أو إلى عودة قوى سياسية أخرى إلى صدارة المشهد السياسي الداخلي في بعض الدول العربية .
وتقول المصادر إنه بالرغم من صعوبة الوصول إلى قواسم مشتركة بين دول الإقليم بهذا الشأن، إلا أن الرياض ترى أن هناك فرصا ممكنة لاحتواء تلك القوى وإعادة دمجها بالحياة السياسية، وضمن معايير تضمن أن لا تكون سببا في زعزعة الأمن الداخلي للدول العربية.
وقالت إن السعودية أبلغت الدول العربية أن انفتاحها على بعض القوى الإسلامية لا يعني تبني طروحاتها السياسية بقدر ما يستهدف العمل على دمج هذه القوى، وتجسيير الهوة التي تفصلها عن العمل الوطني لبعض الدول العربية وتحول دون التزامها بآلياته السياسية.