لم يكن السماسرة والمهربون في مدينة أزمير التركية نقطة انطلاق آلاف اللاجئين نحو إحدى جزر اليونان ومنها إلى الداخل الأوروبي- يتوقعون أن الاتفاق التركي – الأوروبي الذي أُقرّ في ديسمبر الماضي والمتعلق بإعادة اللاجئين إلى تركيا ومراقبة السواحل ، سيؤثر على عملهم وحياتهم بقدر كبير، بعد دخوله حيز التنفيذ.
فالمهرب السوري الأصل “ف”، يعمل اليوم في مطعم صغير كأي عامل بسيط بمرتب شهري لا يتجاوز 300 دولار بعد أن فقد عمله، إذ كان ينقل عشرات العائلات اللاجئة عبر بحر إيجة نحو اليونان بصورة يومية، منذ أكثر من سنتين قبل تطبيق الاتفاق التركي-الأوروبي و يجني آلاف الدولارات.
ويقول “ف” “لم أكن أجني الكثير من المال عند القيام بعمليات نقل اللاجئين إلى سواحل إحدى الجزر اليونانية مقارنة مع أقراني من المهربين رغم العدد الكبير الذي قمت بإيصاله إلى الجانب اليوناني، فقد كنت استأجر البلم أو اليخت إضافة للمنازل ووسائل النقل اللازمة للزبائن”.
ويتابع: “عملي الحالي في المطعم لا يسدد تكاليف أسرتي الكبيرة، لذا سأعود إلى التهريب مجدداً حينما يكون ذلك ممكناً، فالقرارات الأخيرة ألحقت بي الكثير من الضرر”.
لم يكن تأثير هذا القرار على المهربين وحدهم بل شمل العائلات التي قدمت إلى مدينة أزمير للانطلاق نحو إحدى دول الاتحاد الأوروبي، فقد بقيت العائلات اللاجئة في حيرة من أمرها، فلا طرق مفتوحة للوصول إلى اليونان ولا قدرة على سد تكاليف العيش والمكوث بمدينة أزمير السياحية.
عائلة أبو خديجة المكونة من 10 أشخاص، إحدى العائلات العالقة في المدينة منذ ثلاثة أشهر بعد أن قدِمت من إقليم كردستان الذي لجأت إليه بعد خروجها من سوريا.
العائلة حاولت الوصول إلى اليونان عدة مرات، وهي في اسطنبول وأيضا وهي في أزمير ولكن محاولاتها انتهت بالفشل، حيث كان يتم اعتقال أفرادها من قبل خفر السواحل التركي، إلى أن اقرّ الاتفاق التركي-الأوروبي فأجبروا على البقاء في مدينة أزمير مرغمين على الانتظار.
ويقول رب العائلة أبو خديجة: “بعد محاولاتنا الفاشلة للوصول إلى جزر اليونان واعتقالنا من قبل السلطات عدة مرات قررنا العودة إلى سوريا من بوابة نصيبين، إلا إن السلطات التركية منعتنا، فليس لدينا بطاقات “إقامة تركية” للعبور بشكل شرعي، بينما الحصول على هذه البطاقات لكل أفراد أسرتي يلزمه الكثير من الوقت والتكلفة”.
ويضيف: “لم نعد نستطيع العودة إلى الإقليم لأننا أخبرنا السلطات بأننا لن نعود مجدداً وقمنا بتسليمهم بطاقات إقامتنا هناك، كما أن العودة إلى سوريا عن طريق التهريب وعبر الحدود خطيرة جداً، بقينا هنا على أمل إصدار قوانين جديدة تخصّ السوريين فنكمل رحلتنا نحو أوروبا”.
وتتطلع بعض العائلات السورية هناك إلى انخفاض أسعار الرحلات المتوجهة إلى الطرف اليوناني، رغم معرفتها بإغلاق الحدود في دول البلقان وإرغام الكثيرين من العائلات على العودة، خصوصاً وأن هذه العائلات باتت عاجزة عن الإنفاق على نفسها، فيقوم أحد السماسرة بإيصالها إلى إحدى الجزر مقابل مبلغ مادي يعادل نصف ما كان يُدفع قبل قرارات إغلاق الحدود في وجه اللاجئين.
محلات بيع ستر النجاة تأثرت هي الأخرى بتوقف عمليات التهريب عبر بحر إيجة، فقد أغلقت غالبيتها في مدينة أزمير، فبعد أن تقلصت حركة التهريب عبر البحر تراجعت مبيعاتها إلى حد كبير جداً، أجبر أصحابها على إغلاقها.
أحد أصحاب هذه المحلات تحدث موضحاً: “إغلاق محلاتنا مؤقت، ونحن على ثقة أن الحكومة التركية لن تقبل أن نبقى عاطلين عن العمل هكذا، ستتغير القوانين وسنعود إلى بيع بضائعنا للراغبين بالهروب عن طريق البحر”.