وضع اسم الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، على القائمة المؤقتة للمتحدثين في قمة الأمم المتحدة المقررة أواخر سبتمبر المقبل، حيث سيتبنى زعماء العالم أهدافاً جديدة لإنهاء الفقر ومكافحة التغير المناخي بحلول العام 2030. وفيما لاتزال جوهانسبيرغ تعاني زكام غبار طائرته التي غادرت من هناك بطريقة درامية، بدا أن الخرطوم ستكرر ذات سيناريو العام 2013 عندما تقدمت بطلب لمنح البشير إذناً بدخول الولايات المتحدة، وهو الطلب الذي وصفته الإدارة الأميركية بـ «المؤسف».
وربما يكون البشير يحلم أن يكون أول رئيس دولة يلقي كلمة أمام الجمعية العامة وهو يواجه اتهامات من قبل الجنائية، وبالتالي يطلق الرصاصة الأخيرة على جسد المحكمة التي ظل يصارعها لألف وخمسة وأربعين يوماً» بدون نقاط تحسب لكل، ويقول أحد الصحافيين السودانيين المقربين من الرجل إنه بات مهموماً تماماً بالقضاء على الجنائية ويعتبر ذلك تحدياً شخصياً، وبسفره إلى نيويورك يكون حقق هذه الغاية، غير أن ذات الصحافي يستبعد أن تتحقق رغبة البشير، مذكراً بملابسات طلب 2013.
جدل سابق
وكان جدل واسع دار حينها عندما أعلن البشير بنفسه أنه سيذهب إلى نيويورك، وقال في مؤتمر صحافي «رتبنا كل شيء». وذكر أن السفر حق يكفله له القانون الدولي، واستطرد: «أمّنا أوذنات طيران حتى المغرب ومن المغرب سنطير عبر المياه الدولية وصولاً إلى أميركا»، وأردف «تم حجز الفنادق في نيويورك».
ونزلت تلك العبارات على رؤوس مؤيديه قبل معارضيه كما الصخور، وانقسم الشارع بين مؤيد للسفر وبين مرتقب مجريات الأحداث وبين ذلك الذي تشنج في معارضته، خاصة بعد ظهور بعض الإشارات التهديدية التي بعثت بها وزارة خارجية الولايات المتحدة بالعمل على عرقلة إجراءات حضور البشير إلى أميركا، أو حتى حمايته إذا تعرض لطلبات اعتقال.
اصطفاف دولي
ورغم أن الأمم المتحدة التزمت الحياد العام قبل الماضي إزاء طلب البشير حضور الجمعية العامة، غير أنها هذا العام بادرت بالاصطفاف وأرسلت إشارات بأن الرئيس السوداني غير مرحب به.
وقال الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق للصحفيين رداً على رغبة البشير في الحضور إلى نيويورك التي أعلنها نائب رئيس بعثة السودان لدى الامم المتحدة حسن حميد «إن الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون أكد أنه يتعين على كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة أن يأخذوا مذكرة المحكمة الجنائية الدولية على محمل الجد».
شرك جوهانسبيرغ
ورغم منظمات حقوقية نصبت شركاً محكماً للقبض على الرئيس المطلوب غير انه تمكن بمساعدة تلقاها من حكومة جنوب افريقيا من مغادرة جوهانسبيرغ، غير أن البشير الموصوف من مقربين بالعناد يبدو أن حلمه تحدي المجتمع الدولي ومؤسساته بلا سقف. ويقول الناشط من اقليم دارفور صديق ضحية ان ظهر البشير في قاعة الجمعية العامة ولم تبادر واشنطن بالقبض عليه فذلك لا يعني أنه شيع المحكمة الجنائية، بل حتى الأمم المتحدة نفسها ستكون ذهبت إلى مزبلة التاريخ. ولفت ضحية إلى أن البشير مدان في المحكمة الجنائية بطلب من الأمم المتحدة.
ويمضي ضحية إلى القول إن القوانين الدولية التي نعرفها وميثاق الأمم المتحدة الذي تقول ديباجته إنه وضع من أجل إسعاد أمم الأرض قاطبة لا يمكنها أن تحمي مطلوبا للعدالة الدولية بموجب تلك القيم والقوانين.
عواقب غير مأمونة
غير أن القيادي في المؤتمر الوطني ورئيس البرلمان السابق د. الفاتح عزالدين له رأي آخر، إذ يرى أنّ واشنطن ملزمة بموجب الميثاق واتفاقية المقر الموقعة في العام 1947 بمنح الرئيس البشير إذنا بالدخول وحمايته طيلة فترة بقائه لحضور أعمال الجمعية العامة. وأضاف: «إذا رفضت الولايات المتحدة ينبغي أن تحول الاجتماعات إلى دولة أخرى ترحب بكامل العضوية، وفقاً لاتفاقية المقر» وذلك ما لم يوافق عليه أستاذ القانون الدولي والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي بروفيسور البخاري الجعلي، مبدياً تخوفه من حدوث تطورات غير مأمونة في رحلة نيويورك.
وذكر الجعلي أن الرحلة قد تنطوي على تعقيدات كثيرة وإحراجات كثيفة، يمكن أن تزيد صب الزيت على النار في أكبر محفل دولي.
مذكرات
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال العام 2009م، بحق البشير، متهمةً إياه بـ «ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية»، أثناء فترة الصراع في دارفور، الذي أدّى إلى مقتل نحو 300 ألف شخص، وتشريد نحو مليونين آخرين، طبقًا لأرقام الأمم المتحدة. وظل الرئيس السوداني منذ ذاك التاريخ مصرّاً على تحدي مذكرة الاعتقال إذ يداوم على السفر في محيطه القريب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما سافر إلى الصين وأخيرا إلى دولة جنوب إفريقيا الموقعة والمصادقة على ميثاق روما، مسجلاً بذلك هدفاً في مرمى العدالة الدولية.
نقلا عن صحيفة البيان