دائما ما تحلو الكتابة عن العندليب، الأسطورة، حبيب الملايين، الموعود دائما بالعذاب عبد الحليم حافظ، حتى ولو كانت تلك الكتابة تأتى بمناسبة ذكرى وفاته الـ٣٩ التى يتزامن موعده اليوم، فالحكايات عن العندليب كثيرة ومختلفة، كل يوم نكتشف سرا جديدا من أسرار محبوب الملايين، فعلاقاته المتعددة وأصدقاؤه الكثر يحملون بين طياتهم العديد من الحكاوى عن هذا الفتى الأسمر الذى قلب موازين الأغنية المصرية رأسا على عقب منذ أن قدم أول أغنية له، وهى أغنية «صافينى مرة» من كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجى عام ١٩٥٢، والتى لم يتقبلها الجمهور وقتها بسبب عدم شيوع نوعيتها وقتها، لكنها لاقت قبولا فائقا بعد إعلان الجمهورية بعدها بعام، مرورا بسيل من الأعمال والأغانى التى دائما ما كان يتهاتف عليها مريدوه من المحيط إلى الخليج، دائما ما كانت تربطه بهم علاقة هو حريص دائما على تعزيزها وتقويتها بزيارات وأغان خاصة لهم وحضور احتفالياتهم، كما كان يحدث مع ملك المغرب الحسن وغيره.
لكن تبقى علاقة خاصة لدى عبد الحليم حافظ لم يحاول الإفصاح عنها، دائما ما كانت تتم فى الخفاء لا يعرفها سوى المقربين منه، تلك العلاقة التى تكشف مدى صوفيته وعلاقته بربه التى حاول أيضا حليم أن يترجم جزءا منها عبر مجموعة من الأغانى، بعضها لم يحظ بانتشار كبير، لكنها موجودة بالفعل، يعرف منها الجمهور مثلا «أنا من تراب» «وخلينى كلمة» «يا خالق الزهر فى حضن الجبل»، وهناك أيضا أغان دينية أخرى منها مثلا «بينى وبين الناس، ورحمتك فى النسيم، والحبة فى الأرض»، وجميعها من كلمات عبد الفتاح مصطفى، وألحان محمد الموجى، هذا التعاون الذى نتج عنه ١٣ دعاء دينيا، يكشف حالة من الصوفية فى الغناء تتلازم مع ذلك المطرب الموعود بالعذاب، هذه الحالة لم تكن بعيدة عن حياة حليم نفسه، فقد كان حريصا على زيارة أولياء الله الصالحين، خاصة السيدة نفيسة والسيدة زينب، كما كانت له طقوس خاصة فى كل حفلة من الحفلات التى كان يقدمها، وقبل صعوده إلى خشبة المسرح، فقد كان دائما ما يقرأ بعض آيات القرآن الكريم، وكذلك قبل خروجه من المنزل وسفره خارج البلاد، كان يكتب بالقلم الرصاص على الحائط الآية الكريمة «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»، وبعد أن يعود إلى منزله مرة أخرى كان يقوم بمسحها بالأستيكة، وآخر مرة كتبها على الهواء ويبدو أنه كان يشعر بعدم عودته إلى بيته مرة أخرى.
كان حليم أيضا حريصا على زيارة الكعبة والصلاة فيها، ومن حسن حظه أنه فى آخر عمرة له قبل زيارته إلى لندن لإجراء العملية الجراحية التى توفى بعدها كان باب الكعبة مفتوحا، حيث كان يتم غسيلها، فقام حليم بالصلاة داخلها، وعندما رجع من العمرة حكى لأهله أنه رأى أشياء كثيرة لم يفصح عنها.
حليم كان دائم التقرب إلى ربه طوال الوقت، ولذلك فهو لم يشرب الخمر طوال حياته، وكان حريصا على ختم القرآن الكريم، حليم كانت له إسهامات كثيرة فى الخير لا نعرف منها الكثير، لكن المعلن أنه ساهم فى بناء مسجد الفتح بالشرقية، وبناء جامعة الزقازيق، حيث خصص دخل ثلاث حفلات لهذا الغرض.