نون والقلم

لو كنت إسرائيليًا!

سألت نفسي سؤالاً إثر حالة الجدل الدائرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إزاء الاتفاق النووي مع إيران: كيف أنظر إلى ذلك الاتفاق إذا ما كنت بقالاً، أو جنرالاً إسرائيليًا، أو رئيسًا لوزراء إسرائيل؟
إذا ما كنت بقالاً إسرائيليًا، أتابع أنباء ذلك الاتفاق عبر المذياع، فلسوف أبغضه لأنه يكرس حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وحيث إن إيران التمست سبيل الغش من أجل توسيع قدراتها في ذلك، حتى رغم توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وبعد كل شيء، لا تزال تنظم المسيرات التي ترفع شعار «الموت لإسرائيل»، وفي عام 2006 أشرفت إيران على رعاية مؤتمر لتعزيز إنكار المحرقة ضد اليهود (الهولوكوست).
وإذا ما كنت جنرالاً إسرائيليًا، فسوف أتقاسم حالة التشكك مع البقال، ولكن سوف ينتهي بي الأمر في نهاية المطاف في مكان آخر. ولسوف أستدعي ما قاله آبا إيبان، رجل الدولة الإسرائيلي الراحل، حيث قال: «إن إسرائيل ليست كوستاريكا منزوعة السلاح». فإسرائيل لا تملك ما يقرب من 100 إلى 200 رأس حربي نووي فحسب، بل يمكنها توجيه تلك الصواريخ نحو إيران بالطائرات، أو الغواصات، أو الصواريخ بعيدة المدى.
يحاول الجيش الإسرائيلي تجنب الأهداف المدنية، ولكن وكما ظهر في كل من لبنان وغزة أنه لن يثنيها ارتفاع أرقام الضحايا من المدنيين العرب إذا ما أطلق تنظيم حزب الله أو حماس الصواريخ عليها من داخل المناطق المدنية. حققت الدولة اليهودية النجاة والاستمرار وسط بحر العرب والمسلمين من حولها بسبب أن جيرانها يدركون تماما أنه رغم كافة أعرافها الغربية المعلنة، فلن يتجاوز أحد حد الجنون الإسرائيلي إذا ما أطلق له العنان. وإيران، وحماس مع حزب الله يعلمون ذلك جيدا، وهو السبب وراء إدراك جنرالات جيش الدفاع أنهم يملكون قوة ردع بالغة الأهمية ضد القنبلة النووية الإيرانية.
ولقد أثبت ملالي إيران منذ فترة طويلة أنهم لا تتملكهم النزعة الانتحارية.
أما إذا كنت رئيساً لوزراء إسرائيل، فسوف أبدأ بالإقرار أن بلادي تقف في مواجهة تهديدين وجوديين؛ أحدهما خارجي، وهو القنبلة النووية الإيرانية، والآخر داخلي، وهو الفشل في الانفصال عن فلسطينيي الضفة الغربية باتجاه حل الدولتين، مما لا يترك أمامي إلا حل الدولة الواحدة حيث ينتهي الأمر بإسرائيل حاكمة لعدد كبير من المواطنين الفلسطينيين حتى لا يعد من الممكن لإسرائيل أن تكون دولة يهودية ديمقراطية.
وللتعامل مع التهديد الإيراني، فلن أعمد، كزعيم لدولة إسرائيل، إلى الضغط على اليهود في الولايات المتحدة للمضي قدمًا ضد حكومتهم هناك في محاولة إفشال الاتفاق المبرم – في حين أنه ما من بديل ذي مصداقية مطروح أمامي حيال ذلك.
فذلك الاتفاق يقلل وبشكل كبير من المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب لصناعة القنبلة لمدة 15 عامًا، ويدفع القدرات الإيرانية على الخروج بسلاح نووي من فترة 3 شهور – كما هو الوضع الآن – إلى عام كامل. ولسوف أكون على ثقة عميقة بأنني إذا تمكنت من إبقاء إيران على مسافة عام كامل بعيدا عن صناعة القنبلة النووية لمدة 15 عاما، ففي خلال تلك الفترة الطويلة سوف تتطور القدرات التكنولوجية الدفاعية الإسرائيلية بالكثير من الطرق والوسائل التي تمكنها من اكتشاف وإزالة أي نوع من الاختراق الإيراني المحتمل.
وسوف أقر بأنه إذا تمكنت جماعات الضغط اليهودية في واشنطن من النجاح فعليا في دفع الكونغرس إلى إسقاط ذلك الاتفاق، فلن تكون النتيجة المتوقعة اتفاقًا أفضل منه بحال. بل، لن يكون هناك اتفاق بالأساس، وبالتالي سوف تظل إيران على مسافة 3 شهور فقط من صناعة القنبلة النووية – ومن دون وجود المفتشين المتطفلين، ومع انهيار العقوبات الاقتصادية، سوف تكون إسرائيل، وليست إيران، هي التي تعاني من العزلة الدبلوماسية.
لذلك، وبدلاً من المواجهة مع الرئيس باراك أوباما، فإنني كرئيس لوزراء إسرائيل، سوف أخبره بأن إسرائيل تساند ذلك الاتفاق ولكنها تريد من الولايات المتحدة التأكيد على الأمور المهمة للغاية – أي قدراتها الرادعة – من خلال تفويض الكونغرس وأي رئيس قادم للولايات المتحدة لذلك ولاستخدام أي وسيلة ضرورية لتدمير أي محاولة إيرانية لبناء القنبلة النووية. ولأجل تعزيز ذلك سوف أطالب الولايات المتحدة بأن تقوم قواتها الجوية بنشر القنبلة الأميركية القوية الخارقة للتحصينات التي تزن (30 ألف رطل) في منطقة الشرق الأوسط. لكن وبكل أسف، لدى إسرائيل الآن رئيس للوزراء تتمحور استراتيجيته على رفض الاتفاق مع إيران، ومن دون أي خطة بديلة ذات مصداقية، مع التهوين من شأن التهديد الوجودي الداخلي، ومن دون أي خطة أساسية ذات مصداقية كذلك.

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى