نون والقلم

عطر : بتنا أمة تعاني الاغتراب

هل بتنا أمة تعاني من الاغتراب حقا ؟ ما يحدث في عالمنا العربي يفرض حالة من التشويش الذهني لذا سكننا القهر والقمع وراحت فوبيا التهجير تطاردنا، فنحن في غربة واغتراب والغربة من حيث المعنى تعني البعد والتنحي، اغترب الشخص أي نزح عن وطنه لذا هو مغترب، والغربة هي الانتقال الجغرافي الداخلي أو الخارجي إما طواعية أو تحت ضغط ظروف اضطرارية اقتصادية أو أمنية. أما الاغتراب فهو الإحساس بالغربة داخل الوطن، وهو أقسى أنواع المشاعر الإنسانية وهذا بالتحديد ما يجب البحث فيه. أن تكون في أرضك وفي وطنك ،في شارعك  في بيتك ولكن تشعر أنك في اغتراب وان هوة تفصلك عن عالمك، فأنت حتما تقلد العيش ولا تعيش ،ونحن اليوم جميعا في معظم أوطاننا العربية نشعر بالاغتراب، فكل شيء بات منسلخا عنا ،نسير في الشوارع بوجوه كستها الحيرة والقلق مشوشة ومكبلة بغد ضبابي لا ملامح له، تحيط بنا آلاف المخاوف، فالجهل بات ماردا وتمكن من أن يبني دولة ويعقد صفقات، والهمجية أصبحت قانونا يفرض سطوته بمنطق يدعي أن سلطته إلاهية ، غالبا دفعنا  لمعارك إلغائية، فإما معهم أو الموت طريقنا وكل ذلك ليجعلوا منا لونا واحدا من البشر رغم أن وجودنا قائم على اختلافنا وتنوعنا، فهل هذا المطلوب؟ ان نكره انتمائنا أوطاننا ونتحول الى أقليات وشتات نطلب اللجوء في دول الغرب، ونقف منكسي الرؤوس على أبواب سفاراتهم لنمنح بركتهم ،فالجميع يعلن كفره بالوطن ويردد أن لا مستقبل له ولأبنائه فالتهديد الداعشي على الأبواب ومدهم لا منطق له ،ونتائج الفوضى الخلاقة لم تتبلور بعد، ويبدو أنها لن تفعل في المدى المنظور والواقع المعاش ضبابي ومخاض الثورات لم يسفر عن أي استقرار يذكر، بل افرز تكريسا للطائفية وعدائية دموية استهلكت مواردنا الفكرية والمادية والاجتماعية، حتى بتنا في حالة اغتراب وتصدع في أوطاننا ،وليس من السهل الشعور بالغربة عن الذات فالمواطن العربي لم تعد ذاته مركزا لعالمه أو محركا لأفعاله ومشاعره وواقعه فهذا الواقع المحيط فرض أنواعا متعددة من الاغتراب منها: الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي مما أثر على الحالة النفسية للمواطن فظهرت حالة من الإحباط والانهزام والشعور بفقدان الحرية، وراحت تهاجمه المفاهيم المطروحة بلغة الدم والقتل وغرق في تناقض بين ما عرفه عن دينه من تسامح ومحبة وما يراه على شاشات التلفزة من وحشية، بات الجميع خائفا يرغب في الهروب ولكن إلى أين ؟ لا تستبدل الأوطان ولا تمنح المواطنة كلّ من هُجر أو نزح أو مورست عليه إبادة بات شتاتا في الأرض ،لا وطن حقيقي له، يرغبون في محو تاريخنا وحضارتنا لنذوب بين الأمم . ما يحدث لا يبرر تقهقرنا لا يبرر انهزاميتنا، الشعوب هي التي تكتب مسار التاريخ لا المؤمرات ولا التحالفات ولا الفكر المشوش والمشوه ، نحن أمة ولسنا شعبا قد يتمكنوا من إبادة شعب ولكن لن يتمكنوا من إبادة أمة مهما شوهوا عقيدتنا وتفننوا في القتل وبث الرعب وتصدير الموت، أمتنا مرت بفترات نكسة وعصور انحطاط، تاهت أو دخلت في ضلال، ولكنها كما طائر الفينيق خرجت من تحت الرماد لتعيد تصويب الخطأ وبناء ما هدمه الجهل. لا تفكروا بالتخلي عن أوطانكم، الموت في أرضنا شرف والمواجهة شرف أكبر، قبل ان نتحول الى مجرد أرقام في حاسوب الأمم المتحدة وجمعيات الإغاثة ونسكن الخيم أو ندخل دولهم خلسة، لصوص جنسية ،مواطنون درجة ثالثة ،لأجل هذا علينا أن نحارب اغترابنا الداخلي ونتمسك بأوطاننا حينها سنبدأ في هزيمة الاغتراب.

أخبار ذات صلة

نقلا عن صحيفة عُمان

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى