فى أعقاب قرار بدأ العمل على إنشاء بورسعيد على يد والي مصر الخديوي سعيد وذلك يوم الاثنين الموافق 25 أبريل سنة 1859 م وبدء فرديناند دي لسبس حفر قناة السويس، بدأ توافد المصريين والأجانب على حد سواء للمدينة، وشيء فشيء تبع ذلك الإعلان عن إنشاء أفرع بعض البنوك الأجنبية وكان أولها البنك العثمانى الذى أنشأ فرعاً له فى عام 1863، وتبعه بنك إنجليزى عام 1876، ثم بنك “كوربلات” الفرنسي وكذلك بعض أفرع لبنك “الأنجلو إجيبسيان” عام 1881، كما تقدم أحد الرعايا اليونانيين بطلب لإنشاء بورصة تجارية فى المدينة.
وتبع إتساع نطاق النشاط التجاري الأجنبي فى المدينة وزيادة توافد الأجانب على المدينة إنخفاض لأسعار العملات الأجنبية المتداولة بها، إذ كانت تقل عن مثيلاتها فى أنحاء مصر، وعلى أثر ذلك طلبت شركة قناة السويس نشر إعلانات بأسعار العملات فى بورسعيد كى يتم التعامل بمقتضاها بين الأهالي والتجار، وأصبح الفرنك الفرنسي هو العملة الأكثر تداولاً فى المدينة التى كان معظمها فى ذاك الوقت من الرعايا الأوروبيين، أما العملة المصرية فكانت قليلة التداول، وعلى الرغم من تحديد وزارة المالية لأسعار العملات المصرية فى عام 1876 للعمل بها في جميع الجهات الحكومية فقد كانت المعاملات المالية بين شركة القناة ومحافظة بورسعيد تتم على أساس الفرنك الفرنسى، كما كان الفرنك هو العملة المتداولة بين التجار ولم تكن العملات المصرية مثل الريال المجيدى وغيرها تلقى قبولاً لدى هؤلاء التجار، وعلى أثر ذلك جرى تداول نقود أجنبية مختلفة.
الأصدار الأول من النقود الفرنسية الخاصة بقناة السويس عام 1865م
إلى جانب العملات الأجنبية التى جرى تداولها في بورسعيد شهدت المدينة تداول قطع نقد جرى سكها خصيصاً للتداول فى بورسعيد، وهى نقود خاصة سكت في فرنسا وتم نقلها للمدينة بواسطة السفن القادمة من مرسيليا وكانت ذات فئات مختلفة وتساوى الفرنك و2 فرنك وخمسة فرنك ونصف فرنك وربع فرنك وكان السبب الرئيسى في إرسالها هو صرفها كرواتب للعاملين فى قناة السويس، كما جرى تداولها بين التجار في بورسعيد إذ كانوا يقبلون التعامل بها، وهناك بعض المصادر التى تشير إلى تداولها وإنتشارها في مدن أخرى داخل مصر ومنها القاهرة والأسكندرية ودمياط والسويس وتؤكد المصادر ذاتها أنه تم إنشاء مكاتب صرافة خصيصاً لتحويل هذه العملة إلى الفرنك الفرنسي العادى.
ويذكر أن قطع نقود (Borel Lavalley et Cie)، والتي جرى سكها في فرنسا خصيصاً للتداول في بورسعيد كانت باللغة الفرنسية ولم تشتمل على أي لغة أخرى، حيث حمل الوجه الأول عبارة (TRAVAUX DU CANAL DE SUEZ- EGYPTE)، فيما حمل الوجه الثانى عبارة ( BOREL LAVALLEY ET COMPIE- FRANC – BON POR1865) – مع تغيير الفئة على الوجه الثانى للعملة وصورة ثابتة لسفينة تحمل شراع، حيث جرى تداول عدة قطع منها فئة Franc – 2 Franc – 5 Francs – 20 Centimes – 50 Centimes1 ).
الأصدار الثانى من النقود الفرنسية الخاصة بقناة السويس عام 1892م
جرى سكها للتداول فى بورسعيد بواسطة (الجمعية التعاونية لقناة السويس التابعة للشركة العالمية لقناة السويس) – la Société Coopérative du Canal de Suez – la Compagnie Universelle du canal maritime de Suez، وهى نقود خاصة سكت في فرنسا وجاء قرار سكها إستكمالاً للإصدار الأول الصادر عام 1865م بفئاته المختلفة، وأستخدمت كذلك كرواتب للعاملين فى قناة السويس، كما جرى تداولها بين التجار في بورسعيد.
وجرى تداول تلك النقود خلال الفترة التي تولي فيها الخديوى عباس حلمي الثاني بن محمد توفيق بن إسماعيل حكم مصر في الفترة من 8 يناير 1892 حتى عزله في 19 ديسمبر 1914. وكان آخر خديوي لمصر والسودان.
ويصل عدد الفئات التى جرى سكها لستة قطع نقد مختلفة جميعها باللغة الفرنسية ويحمل الوجه الأول عبارة (Societe Cooperative du Canal de Suez) – الجمعية التعاونية لقناة السويس، أما الوجه الثانى فكتب عليه (Bon pour- 1892) مع أختلاف الفئة فى كل قطعة من القطع الستة تاريخ الإصدار : 1892م، والفئات هى : 5-10-50 centimes و1-2-5 Francs، أما الخامة المستخدمة في سك تلك القطع فكانت الألومنيوم.
كما يشار إلى أن بعض العملات الأجنبية لم تكن تلقى رواجاً فى بورسعيد مثل العملات الأسبانية التى لم يقبل التجار الأجانب والصيارفة فى المدينة عليها، كما أصدر الخديوى إسماعيل أمراً بمنع تداول العملة النمساوية داخل مصر وتم إبلاغ جميع الجهات بهذا القرار، كذلك عرفت بورسعيد تزييف العملات في ذاك الوقت، وتم إلقاء القبض على عدة أشخاص بعد إتهامها بتزييف النقود المصرية مثل الريال المجيدي حيث كان يتم طلاء النحاس ببعض المواد ليصبح لونها أبيض، كما جرى تزييف قطع النقود الأجنبية وأشترك في عملية التزييف أجانب خاصة من اليونانيين وكذلك النمساويين والإيطاليين وكذلك بعض اليهود الذين وفدوا للمدينة ومصريين وشوام، وعملت محافظة بورسعيد على جمع تلك النقود وتحذير قناصل الدول الأجنبية منها لتحذير رعاياهم من هذه العملات وكذلك المساعدة في ضبطها ومنع تداولها.
وتحظى الآن قطع نقود (Borel Lavalley et Cie) بشهرة عالمية في أوساط هواة جمع النقود المعدنية والتوكنز خاصة أن البعض يعدها ضمن قطع النقد الغير معتادة والتي جرى سكها للتدوال داخل نطاق محدود، وهناك عدة مواقع تتضمن معلومات مفصلة عنها وعن فترة تداولها وكذلك مواصافتها الخاصة، مثل موقع (en.numista) الأكثر شهرة على الإطلاق في عالم المعلومات الخاصة بالنقود، كما تباع حتي الآن عبر أكبر صالات المزادات العالمية الخاصة ببيع النقود مثل موقع cgbfr))، و موقع (inumis) الفرنسية وموقع (http://coins.ha.com/ ) الأمريكي، وكذلك عبر مواقع البيع الإلكتروني مثل موقع ebay وغيره من المواقع المعروفة في هذا المجال، ويصل ثمن قطع النقد الخاصة لمبالغ مالية كبيرة بحسب الحالة إذ يصل بعض الفئات منها لأكثر من 500 يورو فيما يصل يتراوح بعض الفئات بين 250 و300 دولار أمريكى.
وتحذر بعض المواقع العالمية الهواة من شراء قطع النقد المذكورة قبل فحصها جيداً ومعرفة إذا ماكانت حقيقية أم مزيفة خاصة مع إتقان عمليات تزييف قطع النقود النادرة ومنها بالتأكيد قطع نقود Borel Lavalley et Cie)).
وأخيراً تظل النقود التي جرى تداولها في بورسعيد بشكل خاص جزء هام من تاريخ مصر المعاصرة بشكل عام وتاريخ مدينة بورسعيد بشكل خاصة إذ يجب أن تنال حظها من أهتمام الباحثين لمعرفة تفاصيل أخرى عن أسباب تداولها والفترة التي أستغرقتها عملية التداول ومتي توقفت وغيرها من التفاصيل، كما يجب على الجهات المعنية في الدولة مساعدة الباحثين في هذا الصدد عبر إطلاعهم على المتاح من المعلومات والمصادر الخاصة بتلك الفترة خاصة أن هذا الأمر مسار إهتمام الباحثين والهواة الغربيين بشكل لافت للنظر، كما يجب على المتاحف المصرية العمل على إنشاء قسم خاص لتلك النقود وعرضها بشكل لائق يمكن من خلاله تعريف الجمهور بجزء هام في تاريخ مصر.