توقف كثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني عند شهر مارس بما تضمنه على مدار السنوات الستة الأخيرة من مآسي وأحزان.
فتعود البداية إلى حادثة مقتل وإصابة ما لا يقل عن 28 طفلا عام 2012 كانوا في حافلة تقل تلاميذ إحدى رياض الأطفال بالقرب من مفرق جبع شمال شرق القدس المحتلة، الأمر الذي قوبل بصدمة وحزن كبيرين لدى القيادة والشعب الفلسطيني.
ولم يمض سوى عام واحد، وإذا بفجيعة وفاة نحو 20 معتمرا غالبيتهم من محافظة جنين في انقلاب حافلة في منطقة الأغوار بالقرب من الحدود الفلسطينية-الأردنية.
كان الشعب الفلسطيني على موعد مع حادث أليم آخر فى شهر مارس، وقع في منطقة المدورة الحدودية جنوب الأردن، تمثل بانقلاب حافلة تقل 49 معتمرا ووقوع جميع ركابها بين قتيل وجريح.
وفي الحوادث سالفة الذكر، أعلنت القيادة الفلسطينية الحداد العام وتم تنكيس الأعلام، وتفاعل الشارع الفلسطيني معها بقوة، لكن في واقع الأمر فإن شهر آذار حافل بالوقائع المؤلمة والأخرى المفرحة، وهي كثيرة ومن الصعب حصرها.
مارس حافل بالوقائع المؤلمة والمفرحة:
وما زال يرسخ في ذاكرة الفلسطينيين، يوم الأرض في 30 مارس 1976، عندما تصدى الفلسطينيون المنغرسون في أرضي (1948) للمحاولات الصهيونية للاستيلاء على آلاف الدونمات من أخصب الأراضي الزراعية؛ لإقامة مستوطنات ومدن يهودية فيها ضمن محاولات طمس هويتها العربية، والحيلولة دون وجود أغلبية عربية خصوصا في منطقة الجليل، وفي حينه ارتقى ستة شهداء، وسقط عشرات الجرحى، واعتقل المئات.
كما يوثق سجل النضال الفلسطيني، واقعة استشهاد القائد عبد الرحيم الحاج محمد في يوم 27 مارس 1939، القائد العام للثورة الكبرى الثانية (1937-1939) وكيف قام في حينه بعض جنود الإنجليز بأداء التحية للشهيد وهو مسجى على الأرض في قرية صانور جنوب جنين بعد أن طوقت القوات الإنجليزية القرية ورفض القائد الاستسلام أو الهرب فدارت معركة شرسة انتهت باستشهاده.
والذاكرة الفلسطينية تسجل أيضا أنه في يوم 26 مارس 1934، قد ارتقى المجاهد البارز موسى كاظم الحسيني، وأنه في 26 مارس 1939، قد استشهد الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الرحيم محمود .
كما يرتبط هذا الشهر، بقيام عصابة “شتيرن” الإرهابية الصهيونية في 3 مارس1948 بتدمير مبنى فلسطيني في حيفا بسيارة مفخخة، ما تسبب في استشهاد 11 فلسطينيا وجرح27 آخرين، وكذلك باستيلاء العصابات الصهيونية على قرية أم الرشراش (إيلات) بعد احتلالهم لصحراء النقب، يوم 10 آذار 1949.
وليس ببعيد عن هذه الجرائم، فقد ارتكبت العصابات نفسها مذبحة نحالين، يوم 28 مارس 1954، إذ قامت مجموعة صهيونية بمهاجمة أهالي هذه القرية من بيت لحم، ما تسبب باستشهاد 13 مواطنا وإصابة 17 آخرين بجروح.
كما توثق الذاكرة الفلسطينية أنه في 14 مارس 1957، استكملت قوات الاحتلال الإسرائيلي انسحابها من قطاع غزة، بعد فشل العدوان الثلاثي على الشقيقة الكبرى مصر.
وقد اغتالت قوات الاحتلال بدم بارد في 10 آذار 1998 ثلاثة عمال فلسطينيين على حاجز بلدة ترقوميا جنوب محافظة الخليل.
إنجازات يحملها شهرمارس:
وبعيدا عن المآسي، والآلام، فهناك انجازات هامة سجلها أبناء شعبنا في هذا الشهر فعلى سبيل المثال وليس للحصر، تم تأسيس أول اتحاد لعمال فلسطين يوم 21 مارس 1925.
واستطاعت أيضا قوات الجهاد المقدس بقيادة القائد عبد القادر الحسيني تنسف مقر الوكالة اليهودية بالقدس في 11 مارس 1948، ما أدى إلى مقتل 11 يهوديا وجرح 86 آخرين.
كما أنه في الأول من مارس 1965، بدأ صوت فلسطين (صوت منظمة التحرير الفلسطينية) التي كان يرأسها حينذاك أحمد الشقيري، في البث من القاهرة.
كما أن الانتصار الكبير في معركة الكرامة حصل يوم 21 مارس 1968 حينما قامت قوات إسرائيلية معتدية بعبور نهر الأردن وشن هجوم على منطقة الكرامة بالاعتماد على 4 ألوية ووحدات مدفعية و4 أسراب من الطائرات القاذفة والطائرات العمودية وكان قوام الهجوم 15000 جندي.
فعلى الرغم من ضخامة التعداد للقوات الإسرائيلية الغازية، والاستعداد المسبق للقتال، تواصلت المعركة طوال النهار على جبهة تقدر بخمسين كيلومترا، وتحقق النصر بتضافر جهود المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني وانسحب الجيش الإسرائيلي مخلفا وراءه أعدادا كبيرة من الآليات المدمرة والمعدات العسكرية ومتكبدا خسائر جسيمة في الأرواح.
كما ارتبط هذا الشهر بتنفيذ عملية الساحل الفدائية صبيحة يوم 11 مارس 1978 بعد أن نزلت دلال المغربي مع فرقتها الاستشهادية من قارب كان يمر أمام الساحل الفلسطيني، واستقلت قاربين مطاطيين ليوصلهم إلى الشاطئ في منطقة غير مأهولة، ونجحت عملية الإنزال والوصول إلى الشاطئ ولم يكتشفها الإسرائيليون، وخصوصا أن الاحتلال لم يكن يتوقع أن تصل الجرأة بالفدائيين للقيام بإنزال على الشاطئ على هذا النحو.
ولاحقا تمكنت المجموعة الفدائية من السيطرة على حافلة للجنود الإسرائيليين واستقلالها والسير بها نحو تل أبيب، وهناك اندلعت حرب حقيقية بين الفدائيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث فجرت دلال الباص بركابه الجنود فقتلوا جميعهم وقد سقط في العملية عشرات الجنود من الاحتلال، ولما فرغت الذخيرة من دلال وفرقتها أمر باراك بحصد الجميع بالرشاشات فاستشهدوا كلهم على الفور.
وبعد ذلك عاش الشعب الفلسطيني تفاصيل عملية “ديمونا” البطولية، في 8 مارس 1988 بعد أن قامت مجموعة فدائية من حركة “فتح” بالسيطرة على حافلة تقل إسرائيليين يعملون في المفاعل النووي في ديمونا، وكان لهذه العملية وعمليات كثيرة أخرى أن قررت حكومة الحرب الإسرائيلية اغتيال القائد خليل الوزير “أبو جهاد”.
إنجازات سياسية:
وعلى الصعيد السياسي، فقد التأم المؤتمر الفلسطيني الأول في 5 مارس 1919، الذي شاركت فيه القرى والمدن والعشائر، معلنا رفض الانتداب ووعد بلفور المشؤوم، ورفض الهجرة اليهودية.
وارتبط الشهر الثالث مع العام أيضا، بأنه في 9 مارس 1962 أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن أن قطاع غزة هو للشعب الفلسطيني.
كما اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارا يوم 17 مارس 1998 بإدانة إسرائيل؛ لأنها تخالف تكرارا اتفاقية جنيف الرابعة (وهي الموقعة عام 1949 والتي ترعى حماية السكان المدنيين تحت الاحتلال).
كما أنه في 12 آذار 1977 انعقدت الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة، وفي هذا المجلس تم اعتماد عضوية 100 عضو من داخل الأراضي المحتلة، كما جرى خلالها تشكيل المجلس المركزي للمنظمة وتبنى المجلس برنامجا سياسيا ضمن 15 نقطة تناولت مستقبل القضية الفلسطينية.
إن هذا الشهر يرتبط عربيا ودوليا بحدثين هامين لهما انعكاس واضح على القضية الفلسطينية، فعلى الصعيد العربي، جرى في 22 آذار 1945 تأسيس جامعة الدول العربية.
أما دوليا، فقد طرح الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في 7 مارس 1991، والتي تنطلق على أساس تطبيق القرارين 242 و 338 (الأرض مقابل السلام)، وما يزال الشعب الفلسطيني ينظر تطبيق حقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، ويبقى السؤال متى يكون المجتمع الدولي صادقا وجادا في ذلك وإلى متى هذه المعاناة؟.