على أثر تصاعد العمليات العسكرية العراقية ضد التنظيمات الإرهابية المنتشرة في البلاد ، وفي مقدمتها داعش ، خرجت أصوات تنادي بضرورة عودة الخدمة الإلزامية في الجيش العراقي؛ نظرًا لحاجته إلى أبنائه، لا سيما في ظل تزايد تهديدات تدخل قوات أجنبية في العراق، وهو أمر رفضته الحكومة مرارًا.
عودة التجنيد الإلزامي
أعلنت وزارة الدفاع العراقية مؤخرًا أن مجلس الدفاع صوَّت بالإجماع على قانون التجنيد الإلزامي، مؤكدة أن الإعلان عنه في هذا الوقت جاء مقصودًا ولم يكن اعتباطًا، مرجعة السبب إلى ما تواجهه العراق من تهديدات إرهابية، معتبرة أن القانون سيعيد التوازن الوطني، ويقضي على الانقسامات الطائفية، ويعجل من البناء المجتمعي، مؤكدة أن القانون يؤهل الشباب، وأن له مغزى اقتصاديًّا من خلال امتصاصه لزخم البطالة، ويعمل على زيادة التأهيل المؤسساتي، من خلال توفير ملكات بشرية مؤهلة للدفاع عن العراق.
وفي محاولة من وزارة الدفاع لطمأنة الأصوات التي تتوقع أن يكون هذا القانون بابًا جديدًا للفساد في المؤسسة العسكرية من خلال الرشاوي وما شابه، كشفت الوزارة أن قانون التجنيد الإلزامي لا يحتوي على دفع البدل، وأنه لم ترد أي فقرة بهذا الخصوص، وإنما سيخضع الجميع لهذا القانون بمن فيهم أبناء المسؤولين، مشيرة إلى أن الوزارة لم تدرج فقرة البدل من أجل تجنب أبواب الفساد وتهرب البعض من الخدمة بهذا القانون.
في ذات الإطار أعلنت وزارة الدفاع الضوابط الخاصة بمسودة القانون، حيث قال المستشار القانوني لوزارة الدفاع العميد، محمد سعدون، إن المسودة تضمنت شمول الفئات العمرية من 19 إلى 45 بالتجنيد الإلزامي، على أن يعتمد التحصيل الدراسي في مدة الخدمة، وأضاف أن خريجي الدراسة الابتدائية سيخدمون لمدة عام و4 أشهر، فيما سيخدم خريجو الدراسة الإعدادية لمدة عام واحد، على أن تشمل الخدمة مدة تسعة أشهر لخريجي البكالوريوس، فيما سيُعفَى الحاصلون على درجة الماجستير والدكتوراه من الخدمة نهائيًّا، على أن يشمل أداء الخدمة الموظفين أيضًا، بعدها يعودون إلى وظائفهم. لافتة إلى أنه إذا ترتب على ذلك ضرر على المصلحة العامة، فيمكن في هذه الحالة أن يصدر استثناء من رئيس الوزراء.
من جانبها كشفت لجنة الأمن البرلمانية، الأحد الماضي، أن رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وافق على مسودة القانون، وأكد عضو اللجنة “إسكندر وتوت” أن غالبية أعضاء اللجنة اتفقوا على المسودة، ولم يتبقَّ سوى وصول المسودة من مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها، ومن ثم رفعها لرئاسة البرلمان، وفي حال التصويت عليها، فإن القانون سيصبح نافذًا وواجب التطبيق.
القانون بين التأييد والرفض
اختلفت الكتل الحزبية والمكونات السياسية حول أهمية هذا القانون وإمكانية تطبيقه، حيث رأت النائبة عن التحالف الكردستاني، سوزان بكر، أن قانون الخدمة الإلزامية صعب التطبيق في الوقت الحالي، مشيرة إلى عدم وجود جدوى لتطبيقه حاليًّا؛ لأن أوضاع العراق غير مستقرة.
فيما اختلف النائب عن ائتلاف المواطن، حسن خلاطي، مع النائبة السابقة، حيث أشاد بمشروع الخدمة الإلزامية الذي طرحته وزارة الدفاع، مؤكدًا وجود فوائد عديدة للقانون. وقال النائب إن القانون مهم جدًّا للبلاد، ولو كان معمولًا به بعد سقوط النظام السابق، لاختلف الوضع العراقي عن الحالي، مؤكدًا وجود إمكانية لتطبيق القانون؛ حيث إن هناك معسكرات تستوعب الملتحقين بالخدمة. أما النائب عن ائتلاف دولة القانون، خلف عبد الصمد، فيرى أن إقرار القانون من شأنه أن يجمع العراقيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم؛ لخلق حالة اجتماعية، يمكن من خلالها نبذ التحزب والفئوية.
تضارب ردود الفعل وصل إلى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفيس بوك، حيث رأى البعض أن قانون التجنيد الإلزامي هو سُنَّة الدكتاتوريات والطغاة، وعودة ميمونة لسلطة الضابط والعريف والرشاوى، فيما استبعد البعض الآخر إقراره وخروجه إلى حيز التنفيذ، حيث رأوا أن حكومة العبادي أكثر حكمة من أن تقر قانون الخدمة الإلزامية الجديد، وعزوا ذلك إلى سببين: الأول أن الأوضاع في البلاد الأمنية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ليست ملائمة لتجنيد الشباب للخدمة العسكرية، في ظل وجود الفساد الإداري والمشاكل الطائفية وأزمة الثقة التي يعاني منها الشعب. أما السبب الثاني فهو أنه ليس من المنطق إهدار طاقات الشباب وعرقلة طموحاتهم بإضاعة وقت وجهد كبيرين في الخدمة الإلزامية.
على الجانب الآخر تعاطف البعض مع القانون، ورأى أن البلاد تحتاج إلى من يدافع عنها، كما أن الخدمة العسكرية ستمتص البطالة المستشرية في المجتمع، والتي تُعَدُّ سببًا لانحراف الكثير من الشباب؛ لذلك فإن التجنيد يمكن أن يعالج الكثير من السلبيات، شرط أن يُطبَّق بعدالة ومهنية.
الجيش العراقي
كان وزير الدفاع في أول حكومة عراقية تم تشكيلها “جعفر العسكري” هو أول من دعا إلى جعل الدفاع عن العراق خدمة إلزامية. وفي عام 1923، عندما كانت العراق تحت الاحتلال البريطاني، تقدم العسكري بمقترح إلى المجلس التأسيسي، يقضي بجعل الدفاع عن العراق واجبًا وطنيًّا. لكن بريطانيا رفضت ذلك حينها، وواصل وزير الدفاع وقتها جهوده لإقرار القانون. وبعد فترة من إجراء التعداد السكاني أصدرت الإرادة الملكية قرارًا بتنفيذ القانون اعتبارًا من 12 يونيو عام 1935، حيث سارت تظاهرات كبيرة عمت معظم مدن العراق تأييدًا للقانون، وتوجه الشباب إلى وزارة الدفاع؛ تعبيرًا عن استعدادهم لتلبية الواجب.
ظل قانون الخدمة الإلزامية نافذ التطبيق، حتى جاء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأصدر حينها الحاكم المدني للعراق، بول بريمر، قرارًا بحل الجيش العراقي، فأعيد تشكيل الجيش وتسليحه من جديد مع إلغاء الخدمة الإلزامية وجعلها تطوعية.