كان لافتاً للنظر عبارة «انعدام المساواة بين الطبقات في أمريكا»، عندما جاءت كموضوع رئيسي في خطب المرشحين لانتخابات الرئاسة لعام 2016.
قبل بدء السباق الانتخابي، صدر في الولايات المتحدة كتابان تناولا هذا الموضوع بالتحديد، أحدهما عنوانه «الانقسام مخاطر تزايد انعدام المساواة» للكاتب ديفيد جونستون، والآخر بعنوان «زوال الطبقة الوسطى»، لمؤلفه روبرت فرانك.
ومنذ الحرب العالمية الثانية اعتادت المؤسسات السياسية للدولة في أمريكا، أن تعطي أولوية لاحتياجات، ومخاوف، وتطلعات الناخبين من أبناء الطبقة الوسطى البيضاء، بطريقة ترضى في نفس الوقت مصالح الأغنياء، وأصحاب الكيانات الاقتصادية الكبرى، باعتبار هذه الطبقة أكبر كتلة تصويتية في الانتخابات.
وبحسب طبيعة تفكير الأمريكيين العاديين، فإنهم يتقبلون النظام السائد الذي وضعه الآباء المؤسسون للدولة، ما دامت الحياة تسير، وهم ينعمون بثمار التقدم الأمريكي، وحتى لو كانت لديهم تحفظات تجاه سياسات معينة، فهم لا يعارضونها، أو يتململوا منها، غير أن مؤشرات على تغير هذه النظرة، بدأت تظهر لدى رجل الشارع الأمريكي، وهي مظاهر رصدتها دراسات تقول إن الأغنياء يزدادون غنى، وإن أبناء الطبقة الوسطى، لم يعودوا يلقوا الاهتمام السابق من النخبة، أو من الحسابات السياسية الأمريكية، وإن الناخبين يشعرون بتراجع دورهم، وإنهم صاروا مهمشين، ولهذا تصاعدت المطالب من جانبهم بأن يكونوا شركاء مع الأغنياء وأصحاب القوة والنفوذ، في تحديد مستقبل بلدهم ما دامت الطبقة الوسطى البيضاء تمثل أغلبية أصوات الناخبين.
وفي إطار ذلك تعالت الأصوات في أجواء انتخابات الرئاسة لعام 2016، بتغيير النظام الضريبي المنحاز للأغنياء، كأحد حلول التفاوت وانعدام المساواة بين الطبقات، Inequalityوبالتالي زيادة الضرائب على الأغنياء، والشركات الاقتصادية الكبرى وخفض الضرائب عن الطبقة الوسطى.
ومن المعروف أن الفجوة في الدخل، لا تقتصر على الطبقة الوسطى وحدها، بل على الفقراء الذين يقدر عددهم إحصائياً، بأحد عشر مليوناً وهم الذين أجرى عنهم معهد الضرائب والسياسات الاقتصادية، بحثاً يقول إنه مهما كسب الفقراء من دخل، فمن المرجح أن تكون نسبة الضرائب عليهم، أثقل من دخل المواطنين الأكثر شراء، وإن كان المرشحون للرئاسة قد ركزوا كلامهم على قلقهم من الفجوة المتسقة بين الأغنياء وأبناء الطبقة الوسطى البيضاء.
ومن بين المرشحين الذين أثاروا بقوة هذه المشكلة، المرشح بيرني ساندرز، الذي دعا للعمل على استعادة الطبقة الوسطى، دورها المحوري فيما سماه المشروع الوطني، إشارة إلى دورها في التأثير في السياسات عامة.
ومن المعروف أن نظام التبرعات المالية للمرشحين، والتي ينفق عليها الأغنياء بسخاء، تلعب دوراً حاسماً في ضمان الفوز للمرشح، ما يجعل الفائز في وضع المدين لمن أوصلوه لمنصبه، فيستجيب لكثير من مطالبهم السياسية ولهذا تقع الضغوط من جماعات المصالح، وقوى الضغط، على أعضاء الكونغرس والرئيس لدفع السياسة الخارجية في الاتجاه الذي يرضيها يشير إلى ذلك، استطلاع جرى بين هذه الطبقة، أعربوا فيه عن استيائهم من سيطرة جماعات المصالح، وقوى الضغط على صناعة القرار السياسي، وقلة الاستجابة إلى ما يراه الرأي العام.
وهناك مقولة صارت مثلاً، وهي ما كان رئيس سابق قد صرح به من أن ما هو في صالح شركة جنرال الكتريك، هو في صالح أمريكا، وكان تعليق بعض المشاركين في هذا الاستطلاع، أنه ينبغي تعديل هذه المقولة إلى ما هو في مصلحة الطبقة الوسطى، هو في صالح أمريكا، وكما ذكر الكاتب الأمريكي أناند جيريداس، أن أمريكا تتجه إلى أن تكون أول مجتمع طبقة وسطى – سابقاً – في التاريخ بمعنى أن هذا وضع يتلاشى الآن.
وفي تقديره أن التحولات الهائلة في العالم من العولمة، والثورة الإلكترونية، والتغيير في أوضاع دول فقيرة، أصبحت منافساً لأمريكا سياسياً واقتصادياً، يمكن لهذا كله أن ينعكس على المزاج السياسي والثقافي للأمريكيين، مما يدفع الرأي العام، لإعادة النظر في كثير من المسلمات التي رشحت كثوابت في الفكر السياسي الأمريكي.
هذه التطورات الجديدة، هي التي دفعت إلى طرح أوضاع الطبقة الوسطى، بصورة لم تكن متوقعة، في انتخابات 2016 وتصدرها اهتمام المرشحين للرئاسة على اختلاف انتمائهم الحزبي.
39 2 minutes read