لم تنجزالثورة الليبية الكثير من الموعود لأبنائها، فبعد أن خرج شبابها على الظلم الاجتماعي والتفاوت بين غني مطلق وفقير ليس له إلا مرتبه الهزيل، تمر على الليبيين شرقا وغرباً، ضائقة مالية وارتفاع حاد للأسعار، أضحى يخنق احتياجاتهم اليومية، وحول بوصلتهم نحو نوافذ التسول ، وهو أمر لم يعتده كثيرون منهم.
أزمة مالية خانقة وعجز في الموازنة العامة تواجههما ليبيا للعام الثاني على التوالي، ويعود الأمر إلى أسباب محلية وخارجية، من شأنها جر البلاد نحو الإفلاس، بحسب مسؤولين ومحللين.
غلاء الأسعار
غلاء المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار المتصاعد، دمر الاقتصاد المحلي المتهالك أساساً، وجعل الكثير من الليبيين في ضائقة غير مسبوقة، وانتشرت ظواهر دخيلة على المجتمع، منها التسول لسد الرمق وتوفير الاحتياجات اليومية، هكذا يصف عماد جلول الباحث الليبي في الشؤون الاجتماعية، الوضع الاقتصادي في بلاده.
إجراءات تحفيزية
أكد عصام العول مسؤول مكتب الإعلام بمصرف ليبيا المركزي في طرابلس، بأن المصرف قام مؤخراً بتخصيص 2 مليار دينار ليبي للمصارف التجارية، لتغطية الاعتمادات المستندية لتغطية استيراد السلع الأساسية والأدوية.
وتابع العول في تصريح لوكالة رويترز “لقد نجحنا في استقطاب أكثر من 40 طلب اعتماد مستندي من قبل التجار ورجال الأعمال، فور تخصيص المبلغ المذكور للمصارف التجارية، على شريطة أن يقوموا بإيداع 130% من قيمة الاعتماد بالدينار، والثلاثون بالمئة هي ضمان، وعقب وصول المنتجات إلى ليبيا، يتم إرجاعها إلى التاجر نقداً من المصارف”.
وعن الخطوات التحفيزية الأخرى، أجاب المسؤول المالي ” لقد فتحنا الباب لشحن بطاقات الدفع المسبق بالدولار (الماستر كارد) بقيمة (4 آلاف دولار) ، وتغطية طلبات العلاج والدراسة على النفقة الخاصة بالخارج بقيمة (7500 آلاف دولار) وسيتم تغطيتها من ودائع المركزي الليبي في الخارج” .
ونوه العول، إلى وجود أكثر من 24 مليار دينار خارج القطاع المصرفي، ويتم تداولها في السوق الموازي، ومن شأن هذه الخطوات السابقة، استعادة جزء كبير من هذه القيمة، وإنعاش المصارف وضخ السيولة النقدية إليها.
تراجع أسعار النفط
تسارع خلال الشهور الـ 18 الأخيرة وبشكل غير مسبوق، تدني أسعار النفط في السوق العالمية، الأمر الذي أدى إلى تأثر ليبيا ثالث دولة منتجة للبترول على مستوى أفريقيا، بالتزامن مع الاضطرابات الأمنية والعمالية التي تضرب قطاع النفط الوطني، وغيرها عوامل أدت إلى تعثر الإنتاج النفطي إلى حدود 300 ألف برميل يومياً من أصل مليون ونصف قبل ثلاثة أعوام.
ويقدم محمد الحراري المتحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط، صورة عن أضرار القطاع النفطي في ليبيا، ومدى تأثيره على الاقتصاد بالقول “لا يخفى على أحد أن ليبيا تعتمد بشكل كلي على عائدات بيع النفط، وهو أمر جعل البلاد مرتبطة بازدهار أو فشل هذا القطاع الحيوي، ولا يخفى على أحد أن سعر البرميل الذي يترنح في حدود الـ 30 دولار بعد أن كان يتخطى الـ 100، أمر في غاية الإحباط، وتسبب في تراجع عوائد الدولة من النقد الأجنبي”.
واستدرك قائلا ” ليس هذا فحسب، فإغلاق الحقول والموانئ النفطية، والهجمات التي شنتها جماعات إرهابية، تسبب في إضعاف البنية التحتية للمصالح النفطية، والتي تحتاج إلى أموال ضخمة ووقت كبير، حتى تعود لكامل طاقتها الإنتاجية، في حال تهيأت الظروف الأمنية والمالية مستقبلاً”.
ويبقى الطريق نحو تعافي الاقتصاد الليبي صعب المنال خلال المستقبل القريب، الأمر الذي ينذر بارتفاع تكاليف المعيشة الباهظة في البلاد، ويدفع الكثير من الشباب إلى سلك طرق الجريمة والسرقة والانضمام إلى الجماعات المسلحة والإرهابية، بهدف الحصول على أموال تبقيهم أحياء، في بلد يقبع على بحيرة نفط شاسعة، أمست فريسة الإرهاب والفساد وتحت رحمة الأجندة الإقليمية والدولية.