- أهم الأخباراخترنا لكالأخبار

في بنقردان..روايات ملحمة تاريخية ضدّ “الجرذان”

في المدخل الشمالي لمدينة بنقردان ، تتواجد قوات عسكرية وأمنية، تراقب السيارات، والحركة تسير عادية أو تكاد، ولا حديث في المدينة الريفية، إلاّ عن الدواعش، والملحمة التاريخية التي أفشلت مؤامرة “الجرذان”، والتي نسجتها ساكنة بنقردان من وحدات الجيش والأمن.

أخبار ذات صلة

مدينة بنقردان، التي لا يتعدّى عدد سكانها 70 ألفًا، لا تبعد عن معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا إلاّ نحو 35 كيلومترًا، ويعتمد أهلها على الفلاحة، وتربية الماشية، والتجارة مع الليبيين.

وعادت الحياة

عاد النشاط إلى مدينة بنقردان، على وتيرة بطيئة، ففتحت الدكاكين والمغازات أبوابها، وتزوّد السكان بما يلزمهم، أما المقاهي، فهي تغصّ بالشبان، وأحاديث تروى عن قصص بطولية لمواطنين وعسكريين وأمنيين في التعاطي مع “الجرذان”.

أشار رضا اللافي وهو أحد الناشطين في المجتمع المدني لوكالة رويترز، إلى أنّ الحياة عادت إلى المدينة، وخرج المتساكنون، شيئًا فشيئًا، بعد أن تأكدوا من أنّ الدواعش لن يتمكنوا من تحقيق هدفهم، المتمثل في إقامة إمارة ينطلقون منها نحو التمدد في مدن أخرى.

وقال اللافي، “إنّ هذه المحنة أظهرت شجاعة أهل بنقردان، والجنوب عمومًا، في الوقوف جنبًا إلى جنب، مع العسكريين والأمنيين، ولاحقوهم بكل بسالة حتى تمّ القضاء عليهم.

أيقونة بنقردان

روى وجدي العرف، ما تمّ تداوله في المدينة حول شجاعة جنديّ، أصيل بنقردان، كان في بيته فجر الاثنين الماضي، عند بداية العملية، وإعلانها من طرف إرهابي من أعلى صومعة مسجد حيّ جلاّل، السابع من مارس، ولما سمع صوت الرصاص، بكثافة، خرج مسرعًا إلى ساحة المغرب العربي، وسط المدينة، دون خوف، لا يحمل غير سلاحه الشخصي، وانقض به على أحد الإرهابيين، ليرديه قتيلاً، ثم أخذ سلاحه الرشاش من نوع كلاشنكوف، وتمكّن من تأمين الطريق لزملائه حتى يتقدموا لملاحقة الإرهابيين.

وقال وجدي، “لنا أن نفتخر بمثل هذا الجندي الشجاع الذي لم يتراجع، وأصبح عنوانًا للبطولة، وهو ما جعل صوره تعلّق في شوارع المدينة، إكرامًا وتشجيعًا له، وليتحوّل إلى أيقونة ملحمة بنقردان”.

ضرورة الحذر

أكد الشاب صالح ضو ضرورة الحذر اعتبارًا إلى أنّ الإرهابيين، لن يستسلموا بسهولة، ومن الخطأ الاطمئنان لهؤلاء الجرذان، ولذلك لا بد من التأكد من إعلان انتهاء العملية الأمنية قبل القضاء على آخر إرهابي في المدينة.

وقال ضو إنّ هؤلاء “جاؤوا ليموتوا في بنقردان، ولذلك فمن الواجب أن نكون على درجة عالية من الحذر والانتباه وأن ندعم أمننا وجيشنا بكلّ ما نملك من وسائل الدعم”، مضيفًا “علينا أن نثبت للعالم أننا متماسكون، وأنه لا مجال لأن نفشل أو أن تذهب ريحنا”.

الدرس .. من هنا

مرافقي، من بنقردان، كان إطارًا ساميًا، في إحدى الوزارات، خليفة (ع)، كنّا نمرّ من شارع إلى آخر، في ظلّ وجود عسكري وأمني مكثف، أكد لي أنّ “الدرس يأتي من هنا، من بنقردان، ومن تونس، حين يصنع الأبطال الملحمة، وحين يؤكد التونسي أنّه يكتب التاريخ من جديد، بعد أن كتبه في يناير 2011، هذا الدرس سيتعلّم منه السياسي، كما العسكري والأمني، في كل مكان”.

وأضاف خليفة، أنّه بعد سنوات من ظهور تنظيم “داعش”، كلّ العالم أصبح يعرف “بنقردان”، مقبرة الإرهابيين، مدينة صغيرة في أقصى الجنوب التونسي، لا يخاف أهلها الموت، خرجوا بصدور عارية، كانت أقوى من الرصاص، لملاحقة الجرذان، التحموا بالعسكر والأمن، وطاردوا الإرهابيين وقبضوا عليهم، وكشفوا مخابئهم، لأنهم يعرفون أنّ هؤلاء لا دين لهم، ولا وطن لهم، ولا يستحقون الحياة”.

من صومعة “جلاّل”

تحوّلنا إلى حيّ جلاّل، على بعد 3 كيلومترات من وسط المدينة، المنازل متفرقة، وأشجار الزيتون تغطّي المكان، وصومعة مسجد “جلاّل”، التي خرّبتها الخراطيش، تقف شامخة لتكون شاهدة على العملية الإرهابية وإعلان “إمارة بنقردان”، أو “الرقة2″، من طرف أحد الدواعش، الذي نادى بأعلى صوته، فجر الاثنين، السابع من مارس، بأنّ ساعة الحقيقة قد حانت.. استيقظ البعض، والآخرون نيام، وقريبًا من المسجد يطالبون المارّة بإبراز الهوية، حتى لمّا وجدوا أمنيّاً، لم يرحموه، وأطلقوا عليه الرصاص، هكذا حدّثنا أحد متساكني “جلاّل”.

وأضاف عبد الناصر، “لقد ساعدتنا معرفتنا بالمنطقة على إبلاغ رجال الأمن بأمكنة تواجدهم، لكنني أؤكد أنهم لم يكونوا جميعًا تونسيين، لأنّ بعضهم تكلّم بلهجة غير تونسية، والأقرب أنّ من بينهم جزائريين، وربما حتى ليبيين”.

وقال، “لم يطلقوا النار على المتساكنين، بل كانوا يطلبون حمايتهم، وإخفاءهم في المنازل، لكنّ وصول التعزيزات الأمنية والعسكرية، جعلت منهم، فريسة سهلة للقنص، فتمّ القضاء على أغلبهم، في زمن قياسيّ”، مضيفًا “لهم قدرة كبيرة على التخفّي، فقد اكتشف الأمن، قريبًا من منزلنا، مخبأ للأسلحة، وكنت أشاهدهم يوميًا، أناسًا عاديين، بدون لحى، ولكنهم كانوا يجمعون الأسلحة هناك، في انتظار ساعة الصفر”.

إيهام بحفل خطوبة

لعلّ أطرف ما رواه لي مرافقي، خليفة (ع)، هو أنّ أحد الإرهابيين تمكّن من الفرار ليصل مدينة تطاوين، على بعد نحو 80 كيلومترًا، وهناك تمكّن من الاتصال بأهله في مدينة بنزرت، أقصى شمال تونس، وحتى يساعدوه على الفرار والعودة إلى منزله، فقد اكتروا سيارة أجرة (تاكسي)، تتسع لثمانية ركّاب، وركب ثلاث نساء وأربعة رجال من أقاربه، واتجهوا إلى تطاوين، جنوب تونس، وفعلاً، التقوا بابنهم الداعشيّ، فنقلوه، بعد أن غيّر ملابسه، وحلق لحيته، وتتعالى الزغاريد كلما اقتربوا من دورية عسكرية أو أمنية، وفور مغادرتهم مدينة تطاوين، تمّ إيقافهم من طرف دورية أمنية، وبفضل فطنة ودهاء رجال الأمن، الذين استرابوا في أمر الشاب، فسألوهم عن مكان قدومهم، ووجهتهم، فأكّدوا أنهم كانوا في حفل خطوبة ابنهم، على فتاة من تطاوين، وعندما سألهم أحد الأعوان، عن عائلة أصهارهم، ومن تكون، تلعثم الأب، خاصة وأنّ اسم العائلة غريب عن الجهة، ولم تنطل الحيلة، وتمّ اكتشاف حيلتهم، وأوقفوا جميعًا بتهمة التستّر على مجرم.

رائحة إرهابي 

حالة أخرى، تمّ التفطّن لها من طرف امرأة، هذه المرة، يقول خليفة (ع): “بعد تمكّنه من الفرار، وصل إرهابي إلى مدينة مدنين المجاورة، على بعد 50 كيلومترًا، وامتطى سيارة أجرة، إلى جانب عدد آخر من المسافرين، كان الإرهابي جالسًا بجانب امرأة، وبرغم تغيير ملابسه، وحلق لحيته، فقد استرابت المرأة من الرائحة الكريهة التي تنبعث منه، إلى جانب التشتت الذهني الذي بدا عليه، وشكّها هذا، جعلها، تستغلّ أول دورية أمنية، توقفهم، لتنزل من السيارة وتقترب من رجل أمن، وتشعره بما لاحظت، وفعلاً صدق حدسها، وتمّ القبض على الإرهابي.

غادرنا مدينة بنقردان، حيث تركنا أبطال الجنوب التونسي، في مدينة تلملم جراحها، بعد أسبوع دام، وملحمة تاريخية، تبقى شاهدة على وطنية “التوازين” (أهالي بنقردان)، وحبّهم للحياة، وعدم رهبتهم من الموت.. لتتحول مدينتهم إلى مقبرة للجرذان.

أخبار ذات صلة

Back to top button