نون والقلم

الاحتلال يتخبط في مواجهة الانتفاضة

خلال الأيام الماضية لم يكن ثمة همٌ للكتاب والمحللين الصهاينة الكبار سوى تصاعد الانتفاضة. حيرة غير مسبوقة في التعاطي معها. تسخيف لإجراءات نتنياهو في مواجهتها، بما في ذلك حديثه عن “إبعاد عائلات المخربين إلى قطاع غزة”. هذه انتفاضة غير مسبوقة من حيث أبطالها. شبان وفتيات بلا خلايا، وبلا تخطيط، وبلا سوابق أمنية، كيف نواجهها؟ يتساءل أولئك. خمسة شهور، ذهبت خلالها كل محاولات لجم الانتفاضة سدى. تسكت ليوم أو اثنين، ثم تعاود الفعل، لكن يومي الثلاثاء والأربعاء كانا مميزين، إذا عاد الفعل المقاوم إلى ألقه من جديد. أحد الكتاب الصهاينة يقول، إنه لم يولد بعد من يمكنه القضاء على الانتفاضة الحالية. آخر يقترح منح السلطة وقفا للاستيطان من أجل دفعها نحو جهد أكبر في مواجهة الانتفاضة، رغم أنه لا يقصّر في مديحها، أي السلطة، لكنه يأمل بالمزيد من خلال وقف التحريض، لكأنه يريد منها أن تتحرك حتى ضد مواقع التواصل التي تمجّد الشهداء، فضلا عن مطاردة السلاح، والسماح لجيش الاحتلال بدخول المناطق الفلسطينية دون رادع (هددت السلطة بوقف التنسيق الأمني إذا استمر دخول مناطق (أ)، ولكن من يصدق تهديدا تكرر عشرات المرات؟!). لم تعد هبّة كما يقول عباس. هذ انتفاضة حقيقية، تمضي وتتصاعد. ربما تتراجع ليوم أو يومين، لكن الإقبال على البطولة والشهادة يبقى حاضرا بقوة. تخيلوا أن كل هذا الصمود، وهذه البطولة بينما تبذل السلطة ومن ورائها حركة فتح كل جهد في الاتجاه المعاكس. ماذا يحدث لو انخرطوا في الانتفاضة، أو سكتوا عنها في أقل تقدير؟ من المؤكد أن المشهد برمته سيتغير. هناك فرصة حقيقية وكبيرة لتصعيد انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية، تفرض التراجع على الاحتلال، بل تفرض عليه الانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 67، وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى. لكن من يقنع تلك القيادة بأن تتخلى عن بطاقات الفي آي بي، أو ترحل بعيدا وتترك الشعب يتدبر أمره. من يقنعها بالانخراط في انتفاضة تحرير بهذا الحجم؟! إنها المأساة. شعب عظيم وشباب يتميز غيظا من الاحتلال، ويتلهف شوقا لمواجهته وفرض الهزيمة عليه، لكنه يعاني من سلطة، ومن قيادة لا تريد ذلك، بل تعمل ضده بكل ما أوتيت من قوة. من يقنع هؤلاء بتوافر فرصة حقيقة لذلك، رغم ظاهر الأجواء البائسة في المنطقة، بل ربما كانت تلك الانتفاضة فرصة لتصحيح بوصلة الصراع بدل هذا الحريق الذي خدم نتنياهو كما لم يخدمه شيء من قبل، وكان وراءه جنون إيران، ومن بعد جنونها بعض الغزل من قبل آخرين ممن يخشون خيار الانتفاضة أيضا، وهم أيضا ممن يدفعون عباس إلى رفضها، بل العمل ضدها؟! مع ذلك، فإن على الفصائل -أيضا- مسؤولية كبيرة. يجب أن تدفع عناصرها ومؤيديها إلى اجتراح الفعل الفردي في مواجهة الاحتلال بعيدا عن فكرة الخلايا التي يجهضها التعاون الأمني، من دون فيتو على الأخيرة، وقد رأينا ملامح لذلك في الأيام الأخيرة باستشهاد عناصر من حماس، كما يجب عليها أن تصعّد من الأعمال الشعبية اليومية، من مظاهرات وسواها، متحدية بذلك إجراءات السلطة. يجب أن تعود جنازات الشهداء لتشكل مناسبة للحشد كما كانت دائما. إنها مسؤولية جميع الأحرار، والأمل أن يكون للشرفاء في حركة فتح موقفهم من ذلك أيضا. يجب أن تستعيد الحركة روحها كحركة تحرر. يجب أن يتمرد عناصرها على هذا البؤس الذي تجرُّهم إليهم قيادتهم. إنه فرصة حقيقية، ويجب أن تستثمر حتى يتحقق انتصار يبدو متاحا إذا ما تكاثفت كل الجهود في الميدان بعيدا عن حكاية مصالحة عنوانها انتخابات لن تزيد الشعب إلى انقساما، والقضية إلا تيها، فالتوحد يكون في الميدان وعلى خيار المقاومة، وليس على تكريس سلطة تعمل في خدمة الاحتلال.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى