نون والقلم

جامعة الدول العربية.. كأن شيئا لم يكن

ليس طبيعيا وضع جامعة الدول العربية. تأكّد ذلك في مناسبة إعلان الأمين العام الدكتور نبيل العربي عدم رغبته في تجديد ولايته التي تنتهي في أول تمّوز ـ يوليو المقبل.
ما ليس طبيعيا التصرّف وكأنّ شيئا لم يكن، وأن ترشيح الدكتور أحمد أبوالغيط وزير الخارجية المصرية السابق للحلول مكان العربي يحلّ مشاكل الجامعة، ويخرجها من أزمتها العميقة التي جعلتها تعيش على هامش الأحداث المصيرية التي تمرّ بها المنطقة.

هل صارت جامعة الدول العربية مجرّد مكان يتقاعد فيه وزراء الخارجية السابقون في مصر؟

هناك أزمة عربية. تعبّر جامعة الدول العربية عن عمقها. بدل التصرّف بطريقة توحي بأن الوضع داخل هذه المؤسسة عادي وطبيعي، كان يفترض طرح سؤال حقيقي من نوع هل جامعة الدول العربية قادرة على تجديد نفسها وإيجاد دور لها أم لا كي تكون في مستوى الأحداث؟

من شروط استمرار جامعة الدول العربية البحث، جدّيا، في ما إذا كان في الإمكان إعادة الحياة إليها في منطقة تغيّر كلّ شيء فيها من جهة، وفي وقت لم تعد هناك دول معيّنة قادرة على أن تكون ما كانت عليه في الماضي، بما في ذلك أن تكون عربية، من جهة أخرى.

على سبيل المثال وليس الحصر، كيف يمكن لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أن يكون شيئا آخر غير وزير خارجية لبنان، أي أن يكون وزيرا للخارجية الإيرانية في لقاء عربي. من يسمع كلام باسيل يكتشف إلى أيّ حد لم يعد لبنان ذلك البلد الذي عرفناه.

هذا لا يعني أن صوت إيران لا يجب أن يكون مسموعا، خصوصا أن إيران دولة كبيرة لها نفوذها في المنطقة. لكنّ من غير الطبيعي تحوّل لبنان إلى مستعمرة إيرانية بكلّ ما في كلمة مستعمرة من معنى. كان الموقف السليم يقضي بدعوة مسؤول إيراني لعرض وجهة نظره في اجتماع لمجلس الجامعة على أي مستوى كان، بدل أن تجتمع الدول العربية وأن يخرج صوت إيران عبر لبنان الذي رفض إدانة الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد…

يشير الواقع المتمثّل في أنّ دولة عربية صارت صوت إيران في إطار جامعة الدول العربية إلى عمق التحولات التي شهدتها المنطقة، خصوصا منذ العام 2003، عندما شنّت إدارة جورج بوش الابن حربها على العراق بدعم إيراني مباشر وغير مباشر بدأ مسؤولون أميركيون سابقون، مثل زلماي خليلزاد، يتحدّثون عنه علنا الآن، أي بعد خروجهم من السلطة.

في قمّة شرم الشيخ التي انعقدت في آذار ـ مارس 2003، عشية بدء الحملة العسكرية الأميركية على العراق، تلهى معظم الحاضرين بالبحث في كيفية تفادي الحرب، علما أن جميعهم كانوا مقتنعين بأنّ الحرب صارت أمرا واقعا.

كان الصوت الإماراتي الصوت العاقل، شبه الوحيد وقتذاك. سعت دولة الإمارات العربية المتّحدة في أثناء القمّة إلى البحث في مرحلة ما بعد الحرب، وما سيتوجب على المجموعة العربية عمله في العراق، كما اقترحت استقبال صدّام حسين وعائلته بعد تخليه عن السلطة بموجب شروط معيّنة.

لم يكن هناك من يريد الاستماع إلى المنطق. وجدت الأمانة العامة للجامعة كلّ الوسائل التي تسمح بإخفاء الاقتراح الإماراتي، وصولا إلى خروج القمّة بقرارات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالواقع. هل من يستطيع القول اليوم ما هو الآن العراق العضو المؤسس لجامعة الدول العربية؟

منذ ترك هوشيار زيباري، وهو كردي، موقع وزير الخارجية العراقي، لم يعد العراق في السرب العربي. كان الكردي العراقي قادرا أكثر من غيره على التعبير عن دور العراق في إطار جامعة الدول العربية. وهذا يعكس إيجابية كبيرة وأهمية للدور الذي كان يمكن أن يلعبه الأكراد على صعيد إيجاد توازن داخلي في بلد عربي مهمّ طغت فيه المذهبية وصار يُدار مباشرة من طهران.

فشلت جامعة الدول العربية على كلّ الصعد. فشلت في العراق أوّلا وفي سوريا واليمن. هناك عجز عربي يتفاقم بشكل يومي. لم تستطع جامعة الدول العربية إيجاد حلّ لأيّ مشكلة مطروحة، خصوصا في سوريا التي هي أيضا عضو مؤسس للجامعة.

هل المطلوب الإعلان رسميا عن نهاية جامعة الدول العربية التي لم تستطع يوما اتخاذ قرار واضح يساعد الفلسطينيين على استعادة الوحدة الوطنية ومساعدتهم في التحلي بالواقعية السياسية، عندما كان ذلك أكثر من ضرورة؟

من الباكر الإعلان عن إفلاس جامعة الدول العربية كلّيا. لكنّ ذلك لا يمنع بأي شكل البحث منذ الآن عن صيغة جديدة للجامعة تشمل طريقة التصويت على القرارات، بما يُمكّن الجامعة من اتخاذ مواقف واضحة من الأزمات المطروحة.

لا تتحمّل المرحلة الراهنة التسويات التي لا مضمون لها، والكلام الذي يصدر عن هذا البلد أو ذاك. لا مكان للحلول الوسط التي تعبّر عن مقدار كبير من الميوعة.

يُفترض في “عاصفة الحزم” التي كانت قرارا عربيا واضحا بمنع سقوط اليمن تحت الهيمنة الإيرانية أن تنسحب على جامعة الدول العربية أيضا. ليس معقولا أن تستمرّ الأمور على حالها. ما كان يصلح للعام 1945، لم يعد يصلح للعام 2016. تغيّر كلّ شيء في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، أن الخليج مهدّد بشكل يومي بعدما تبيّن أن الدواعش الشيعية لا تقلّ خطورة عن “داعش” السنّية، وأن الحرب الشيعية – السنّية دائرة على قدم وساق في المنطقة، خصوصا أن الاستثمار في الغرائز المذهبية جزء لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الإيراني.

لم يعد هناك مفرّ من مؤسسة، تجمع بين ما بقي من عرب، تسمّي الأشياء بأسمائها، تماما كما حصل لدى التعاطي مع الأزمة اليمنية. في نهاية المطاف، هل جامعة الدول العربية تريد أن تكون في قلب الأحداث أم على هامشها؟ هل يعتقد العرب، أو ما بقي منهم، أن لديهم دورا في المنطقة، أم أن القرار فيها للدول المحيطة بها مثل إيران وتركيا وإسرائيل؟

يبقى سؤال في غاية البساطة: من هي الجهة القادرة على تجديد الجامعة؟ الثابت أن على مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعب دوره. إنّه التجربة الوحيدة شبه الناجحة، وهو تجربة قديمة إذا أخذنا في الاعتبار أنّه تأسس في العام 1981.

من الطبيعي البحث في الاستفادة من تجربة مجلس التعاون والسعي إلى تعميمها. فالقرار بالتدخل في اليمن اتخذ على الرغم من تحفظ سلطنة عُمان. لكنّه اتخذ وبدأ التنفيذ لحظة اتخاذ القرار. إضافة إلى ذلك، ليس المجلس أسير دولة معيّنة، فالأمين العام يمكن أن يكون من إحدى الدول الأعضاء، وهو بحريني الآن.

هل من أمل في تجديد جامعة الدول العربية… أم أن الأحداث تجاوزت هذه المؤسسة التي لم تعد قادرة على أن تقول لمن يتجاوز كلّ الأعراف المتّبعة أن كفى تعني كفى.

أخبار ذات صلة

Back to top button