«إنك ميت وإنهم ميتون» سورة الزمر.. بهذه الآية خاطب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح، الذي عقد دورته الأخيرة في نهاية الأسبوع الماضي، وخصّ بذكره اللجنتين التحضيريتين للمؤتمر السابع لحركة فتح والمجلس الوطني الفلسطيني.
عباس اتهم بعض أعضاء اللجنتين بعرقلة عقد المؤتمر والمجلس لأسباب شخصية، وكذلك اتهمهم بنشر إشاعات عن أنه هو من يعرقل الانعقاد وهذا غير صحيح، وقال «إنك ميت وإنهم ميتون» ويريد أن تكون حركة فتح ومنظمة التحرير جاهزتين في حالة غيابه حتى لا يحدث أي فراغ سياسي يفتح المجال لتدخلات خارجية نشهدها حالياً في غزة، وقال إن أهم إنجاز للرئيس الراحل عرفات هو الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني.
ثمة أزمة متعددة الوجوه في الساحة الفلسطينية لا يمكن أن تجد لها حلولاً ولو مؤقتة، كالمصالحة التي تعقد من أجلها عدة حوارات سنوياً من دون جدوى وآخرها في الدوحة حيث عقد وفدا حماس وفتح جولتين برعاية قطرية ومن المنتظر عقد جولة جديدة هذا الأسبوع، لكنْ هناك تشاؤم في حركة فتح حول إمكانية تنفيذ بنود المصالحة حتى بضغط قطري لأن ثمة تياراً في حماس لا يرغب ولا يريد أن يتنازل عن حكم غزة.
وثمة أزمة العلاقات مع «إسرائيل» حيث كان المجلس المركزي لمنظمة التحرير قد قرر تحديد العلاقة مع «إسرائيل» على ضوء التزاماتها باتفاق أوسلو، وبدأ الجانب الفلسطيني محاولة جس نبض الكيان الصهيوني حول الموضوع من ناحية أمنية، وعقد وفد أمني فلسطيني لقاءين لمدة سبع ساعات مع وفد أمني «إسرائيلي» لبحث العلاقة من منظور أمني ومدى التزام سلطات الاحتلال باتفاقات أوسلو، وطلب الوفد الفلسطيني التزام الاحتلال بالوضع كما كان قبل اندلاع الانتفاضة الثانية أي 28 سبتمبر 2000 كعدم اجتياح مناطق «أ» التابعة للسلطة، لكن سلطات الاحتلال رفضت ذلك وعرضت عدم دخول مدينتي رام الله وأريحا كتجربة، لكنّ الجانب الفلسطيني رفض ذلك وينتظر من سلطات الاحتلال إجابات نهائية قريباً، فإن لبى ذلك يمكن الانتقال إلى الجانب السياسي وإلا فإنه سيعلن عدم التزامه بالاتفاقات الأمنية ومن ضمنها التنسيق الأمني والتجاري والخدماتي.
لكنْ ثمة خلاف في صفوف منظمة التحرير بشأن هذه النقطة حيث رأى بعض أعضاء اللجنة التنفيذية في اجتماعهم الأخير صعوبة فك الارتباط مع الاحتلال لأنه يسيطر على كل جوانب الحياة الفلسطينية اقتصادياً وخدماتياً (كهرباء وماء وصحة وحركة استيراد وتصدير ونقل وتنقل إلخ…)، ولم يقم أي طرف فلسطيني بوضع دراسات وسيناريوهات حول البدائل في حالة قطع العلاقات مع الاحتلال. ثم هناك معضلة المفاوضات مع «إسرائيل» حيث قال الرئيس الفلسطيني إنه يبدو أن الولايات المتحدة و«إسرائيل» أسقطتا حل الدولتين ويجب البحث عن بدائل.. أي عقد مؤتمر دولي جديد برعاية فرنسا لبحث آلية جديدة لحل الصراع كما حدث بشأن الاتفاق النووي الإيراني ويحدث بشأن سوريا واليمن وليبيا، أي تشكيل لجان دولية تتولى محاورة الأطراف واقتراح حلول. وكان الجانب الفلسطيني فقد ثقته بالكامل بالإدارة الأمريكية التي تتبنى وجهة النظر «الإسرائيلية» وتفرض حصاراً مالياً على السلطة الفلسطينية منذ سنتين، ومن المقرر أن تتقدم فلسطين بمشروع قرار لمجلس الأمن عن طريق طرف ثالث بشأن الاستيطان وهذا المشروع الذي أعدته كوبا أدخلت عليه الولايات المتحدة تعديلات تفرغ المشروع من محتواه. ويتوقع الفلسطينيون في حالة إصراراهم على طرح الموضوع أن تشدد الولايات المتحدة حصارها السياسي والمالي عليهم حيث تقلصت المساعدات الدولية لهم خلال السنتين الأخيرتين من مليار و200 مليون دولار إلى النصف، وهذه الأزمات كلها أضيفت إليها أزمة المعلمين الذين يطالبون بتعديل أوضاعهم المالية المتردية ولكن معالجة الحكومة للأزمة كانت خاطئة ما زادها تفاقماً، فالحكومة الفلسطينية الحالية عليائية غير قادرة على تحقيق أي إنجاز محلي ويمتاز أغلب وزرائها بنرجسية ولم تقدم حتى الآن أي إنجاز منذ تأسيسها ويصفونها بحكومة جامعة النجاح لأن رئيس الوزراء ينتقي وزراءه من الأكاديميين عديمي الخبرة وهذا جعل الحكومة موضع نقد في المجلس الثوري لفتح، وثمة مطالبات ملحة لتغييرها بحكومة وحدة وطنية فصائلية سواء شاركت حماس فيها أم لم تشارك.
فالوضع الفلسطيني هو أيضاً يكاد يكون ميتاً مثله مثل قرابة 200 شهيد سقطوا خلال الشهور الأخيرة وصار قتلهم عادياً لا يحظى بأي إسناد حقيقي ولا حتى توثيق لجرائم الإعدام بحقهم، وتخشى الفصائل من تبنيهم. فالحالة الفلسطينية عملياً تحاول الهروب من جهنم الاستيطان والتنسيق الأمني نحو جحيم الفكاك من الاحتلال بكل ما يحمله ذلك من مخاطر وقف الخدمات وتجميد الأموال وشل الحركة الاقتصادية.
41 3 minutes read