نون والقلم

الرمال المتحركة

على مدار 10 سنوات، تمتعت الدول المنتجة للنفط بإيرادات استثنائية بسبب ارتفاع أسعار البترول، خصوصًا دول الخليج، التي أنفقت بسخاء مبالغ فيه على البنية التحتية والتسليح والتعليم والإعانات.

أخبار ذات صلة

وبسبب تزايد المخاوف الأمنية والجيوسياسية الإقليمية، أنفقت دول الخليج مجتمعة 113 مليار دولار على التسليح في عام 2014 فقط، كما أنفقت في أعقاب «ثورات الربيع العربي» 150 مليار دولار على الرعاية الاجتماعية لامتصاص تأثير «الانتفاضات السياسية» بالمنطقة.

ولكن تغيرت الأمور على غير المتوقع، بعد استمرار الهبوط الحاد لأسعار النفط، خلال الشهور الماضية، ما ينذر بكارثة اقتصادية خلال العقدين المقبلين، خصوصًا أن دول الخليج أصبحت في حاجة – أكثر من أي وقت مضى – إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يتم بها إنفاق المال.

أولى الخطوات العملية التي اتخذتها دول الخليج، قرارها الأخير بفرض «ضريبة» القيمة المضافة في 2018، وهي الأولى من نوعها التي يتم فرضها على مواطنيها والوافدين إليها، الذين طالما اعتادوا على رغد العيش في ظل بيئة ضريبية منخفضة.

لكن الأمر أصبح أكثر إلحاحًا لدول «مجلس التعاون» لتنويع اقتصادها بعيدًا من النفط والغاز، والبداية ربما تكون مع كبح جماح الإنفاق، بعد أن خسر سعر برميل النفط أكثر من 70% من قيمته منذ يونيو 2014.

تقديرات صندوق النقد الدولي أظهرت أن اقتصاديات دول الخليج تكبدت خسائر بلغت أكثر من 500 مليار دولار خلال 2015، جراء انهيار أسعار النفط، وإصرارها على سقوف الإنتاج المرتفعة، التي تؤدي إلى زيادة المعروض، وانخفاض الأسعار، ما تسبب في الكثير من المشكلات الاقتصادية، مثل عجز الموازنات، وبالتالي تخفيض الدعم، بل والاقتراض من الداخل والخارج.

المؤشرات تبدو مقلقة، في ظل توقعات «أوبك» بأن مستويات الأسعار لن تعاود الارتفاع إلى 100 دولار للبرميل قبل عام 2040، بعد أن محت الأسعار أكثر من 340 مليار دولار من عائدات دول الخليج في عام 2015 فقط.

الدول الخليجية الست، أعلنت بشكل صريح، على لسان كبار مسئوليها أنها لم تعد قادرة على توفير كل شيء، وتوجهها إلى اتخاذ تدابير تقشفية وخفض الإنفاق، بل إن بعضها بدأ بالفعل إجراء إصلاحات على هيكل الدعم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين بنسب وصلت إلى 50%.

نتوقع أن تلجأ دول الخليج إلى إجراءات أليمة، بالاعتماد مستقبلًا على صناديق الثروة السيادية الخاصة بها، التي تقدر بـ2.6 تريليون دولار من الأصول، وهو ما يقارب 37% من إجمالي أصول الثروة السيادية في جميع أنحاء العالم.

وبالنظر إلى المدى البعيد، في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط، ليس أمام الحكومات الخليجية سوي العمل الجاد على إصلاح اقتصاداتها من أجل الأجيال القادمة، على رغم صعوبة تفهم مواطنيها للتدابير المتخذة من حكوماتهم.

نعتقد أن على الخليجيين عدم إغفال التحديات الداخلية والإقليمية، التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر، على ميزانياتها، من خلال ما يحدث في سورية أو اليمن أو العراق أو البحرين أو حتى ليبيا، في ظل وجود الجار الأقوى «إيران».

هناك مؤشر واضح الدلالة، أنه في حال استمرت الأمور على هذا النحو المعقد في منطقة الشرق الأوسط، فإن ذلك يعني أن رمال الساحل الخليجي النفطي الدافئ ستكون باردة ومتحركة، وبالتالي ستواجه تغيرات كبرى، ربما تتعدى خرائطها الحدودية والوجودية.

منذ غزو العراق لدولة الكويت أصبحت دول الخليج في مرمى محاور التأثير الكبرى في العالم، إقليميًا ودوليًا، خصوصًا في ظل النفوذ والمصالح الأمريكية والتفوق الإيراني الواضح، وبدء انفراط عقد المسبحة الخليجية التي يبدو عليها التباين الواضح في معالجة القضايا الإقليمية، ما قد يُحدث توترات كبرى تؤثر على البناء السياسي والاجتماعي داخل المجتمعات الخليجية.

إجمالًا، يمكن القول إن المشهد يندفع سريعًا نحو المجهول، في ظل مشهد سياسي معقد وانهيار اقتصادي بات وشيكًا، خصوصًا مع تزايد النفوذ الكبير لأمريكا وروسيا، ما يمكن أن يكون مقدمة لانهيار فكرة الاتحاد الخليجي «شبه المستقر» منذ تأسيسه في العام 1981.

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button